تحت شعار المؤتمر الدولي للدول المانحة لدولة فلسطين تفتح في العاصمة الفرنسية باريس غدا اشغال المؤتمر الدولي الذي يهدف الى ضمان توفير خمسة مليارات دولار لمساعدة الفلسطينيين على ارساء الاسس المطلوبة من اجل بناء الدولة الفلسطينية او هذا على الاقل ما يسعى منظمو المؤتمر للترويج له من خلال اجتماع اكثر من تسعين وفدا ومؤسسة سياسية ومالية دولية وذلك بعد نحو اسبوعين على مؤتمر انابوليس... وهو شعار وان كان لا يخلو من تفاؤل واضح، الا انه تفاؤل يوشك ألا يتجاوز حدود اللافتة التي رسم عليها اذا لم يرتق الى حجم الوعود والاحلام التي سبقت تنظيم هذا المؤتمر والامر لا يتعلق بما ستجمعه سلة باريس من مساعدات مالية اقرتها الاممالمتحدة والشرعية الدولية للفلسطينيين فحسب ولكن ايضا بما سيتلوها من خطوات اضافية تمهيدا لاعلان الدولة الفلسطينية. ولا شك ان نتائج هذا اللقاء الذي يكتسي صبغة اقتصادية سياسية من شأنها ان تشكل اختبارا اساسيا للمجتمع الدولي عموما وللاتحاد الاوروبي بشكل خاص وهو اختبار لن يقبل الانتظار طويلا وستتضح ملامحه من خلال التاكيد على مدى ارادة وجدية الاطراف المعنية في العمل على اعادة احياء مشاعر التفاؤل والثقة لدى السواد الاعظم من ابناء الشعب الفلسطيني في محنته المستمرة بين مطرقة الاحتلال الاسرائيلي وسندان الحصار الخانق الذي تحول بمقتضاه اكثر من مليوني فلسطيني الى ضحية سهلة معرضة لكل انواع الاستفزازات وقابلة للانسياق والسقوط في شباك المصالح ولغة الحسابات الضيقة على حساب القضية الام وهي قضية الاحتلال الجاثم على الصدور. واذا كان لا احد بامكانه ان يقلل او يشكك في اهمية الدعم المالي الضروري والتمويلات المطلوبة لتجسيد الخطة التي تقدم بها سلام فياض لبناء الاقتصاد الفلسطيني فان الاكيد ان الارقام والوعود وحدها لا يمكنها ان تصنع اقتصادا او سلاما او تؤسس لبناء البنى التحتية والمؤسسات الاقتصادية الكفيلة بارساء أسس دولة المستقبل طالما بقي سيف الاحتلال مسلطا على الرقاب في كل حين دون حسيب او رقيب ليهدم ويعبث بكل ما تسعى الدول المانحة لبنائه وتشييده. بل ان الحقيقة ان المخاوف والشكوك المحيطة بهذا اللقاء واحتمالات تحوله الى فرصة اخرى ضائعة تظل قائمة ومتعددة والشعار المتفائل للمؤتمر الذي اعتمد عبارة الدولة الفلسطينية بدلا من الاراضي الفلسطينية قد لايتمكن من تبديدها او حتى الحد منها في ظل غياب الحل السياسي المطلوب للقضية الفلسطينية واستمرار الغموض بشان الدول المانحة التي لا تزال مترددة في كثير من الاحيان في الالتزام بالتعهدات التي قطعتها للفلسطينيين في مناسبات سابقة واحترام الوعود التي اعلنتها. والامر لا يقتصر على اطراف اوروبية غربية فحسب بل ينسحب على اغلب الاطراف العربية التي ظلت مقصرة في تقديم الدعم المالي المطلوب للفلسطينيين لتجاوز محنتهم الراهنة، وقد اظهرت التقارير انه من بين اكثر من اربعمائة مليون دولار تعهد العرب بتقديمها لدعم حكومة محمود عباس لم تسدد غير ثمانين مليون دولار منذ جوان الماضي. ولعل في التبريرات التي حرصت بعض الاطراف العربية المقتدرة على تسويقها عشية مؤتمر باريس بانها لا تريد ان تظهر بمظهر المؤيد لطرف فلسطيني على حساب الاخر ما يمكن ان يؤشر الى استمرار تراجع الدور المالي العربي المطلوب من اجل دعم القضية الفلسطينية ليضاف بذلك الى العجز السياسي المسجل منذ وقت لم يعد بالقريب... من أنابوليس الى باريس وقريبا الى مؤتمر موسكو تتعدد التحركات الديبلوماسية لتحريك عجلة السلام في الشرق الاوسط فيما تبقى ثمارها مؤجلة وسط مخاوف مشروعة من ان تكون زيارة الرئيس بوش المرتقبة مطلع العام الجديد الى المنطقة مرتبطة باحياء الذكرى الستين لقيام اسرائيل فيما يبقى اعلان الدولة الفلسطينية حلما معترفا به مع تأجيل التنفيذ...