تجد من حين لآخر أعمال شغب بمدينة المتلوي تبعث الرعب والهلع في نفوس المتساكنين الذين لم يتعودوا على مثل هذه الهزات بعد أن كان يستطاب العيش بربوع احتضنت على مدى قرن ونيف من الزمن كل الفئات والطوائف من مسيحيين ويهود وتواجد تشكيلات اجتماعية مغاربية متنوعة جمعها العمل في مناجم الفسفاط لتامين قوتها والهروب من سعير الحروب واضطهاد المستعمر آنذاك تعايشت كلها مع بعضها في انسجام.. على أن هذه التشكيلات على الرغم من توحدها في أهداف تواجدها إلا أنها ظلت وفية لهويتها الحضارية أبية على الاضمحلال داخل المجتمع الجديد حتى عودتها إلى أوطانها الأصلية حيث لم يبق من آثارها إلا أحياؤها العمالية التي لا زالت منتصبة إلى اليوم وفي كل زاوية من زواياها أكثر من حكاية وفي دروبها ذكريات لا تنسى باعتبار أن هذه الأحياء ما زالت تتداول عليها أجيال ترثها عن بعضها بالسكنى إلى جانب ما عرفت به المنطقة من توسع جغرافي وامتداد عمراني وديمغرافي رهيب من خلال الأحياء الجديدة التي تزحف على الأراضي الصناعية والفلاحية كونت مجتمعا كبيرا في معناه التشكيلي والاجتماعي تجمع أفراده مظاهر التعايش والتصاهر.
تجاوز أحادية اقتصادها
وفي غياب روافد تنموية تؤدي إلى أقطاب كبرى في مجال الفلاحة والصناعة فقد تواصل الاعتماد بصورة كلية على استقطاب اليد العاملة لإنتاج الفسفاط الذي يستخرج إلى منتصف الثمانينات من الدواميس تحت الجبال قبل أن تطور الشركة مجالات عملها في استخراج الفسفاط بطرق عصرية وذلك باستغلاله سطحيا وعملت على القيام بعملية"تطهير" الشركة والتقليص من سقف عدد العملة بعد الأزمة الخانقة التي شهدتها هذه المؤسسة والقيام بغلق اغلب الدواميس التي تستخرج منها الفسفاط. ولئن ساهمت هذه العملية في تعصير عمل الشركة وتطوير الإنتاج الذي حقق أرقاما لم تعرفها بلادنا من قبل فقد انعكست على الوضع الاجتماعي للمنطقة ومثلها بكل المناطق المنجمية الأخرى من ذلك مواصلة التقليص في عدد العملة تدريجيا واعتماد الشركة على المناظرات لتوفير مستحقاتها من اليد العاملة وبقي الجميع يطمح إلى انتدابه بقطاع الفسفاط الذي يعد المستقبل الوحيد لأبناء الجهة باعتبار أن هذا القطاع ظل لعقود عديدة الراعي الوحيد للمجال الاجتماعي والاقتصادي للمتساكنين بهذه الربوع في غياب روافد للتنمية التي لم يعمل النظام السابق على توفيرها وتجاوز أحادية اقتصاد المنطقة.
تراكم البطالة وتهميش المنوال التنموي
تجاوز أحادية اقتصاد المنطقة كان اللحن المميز لعدد من المسؤولين في النظام السابق عندما يتبجحون بهذه العبارات التي وسوس بها النظام في آذانهم وتقدم الوعود الزائفة لمشاريع عديدة سوف تنجز بالمتلوي والسنوات تمر بسرعة وتتراكم البطالة بين صفوف الشباب وخاصة منهم خريجي التعليم العالي وتتهمش بذلك الجوانب الاجتماعية ويكبر الطموح من جديد في العمل يوما ما بقطاع الفسفاط والتمسك بهذا الخيط الوحيد الذي يؤمن مواطن شغل للعاطلين ولغيرهم باعتبار فشل المبادرات الاستثمارية الخاصة في مجالات الصناعة والخدمات والفلاحة والتي يحاول البعض إنجازها عن طريق القروض الصغرى، وانجر عن ذلك صراعات لا مبرر لها بين المتساكنين كان لا بد من تفاديها نظرا لما تسببت فيه من انهيار كامل للبنية التنموية المتواضعة وعدول بعض المستثمرين عن بعث مشاريع بالمنطقة على خلفية الأحداث المتكررة وهكذا توقفت حركة التنمية بالتوازي مع ارتفاع نسبة البطالة التي أصبحت مزمنة وتتطلب تدخلا عاجلا نظرا للوضع السيء الذي عليه المنطقة في جميع المجالات.
انتظارات المواطن
أغلب المواطنين الذين التقيناهم للسؤال عن انتظاراتهم اجمعوا على أن الأمن أصبح اليوم من أهم المطالب الضرورية قبل كل شيء ووصل الحد بالبعض الآخر إلى التساؤل بكل دهشة"وين ماشين؟" بمعنى إلى أين نسير؟ على خلفية الوضع المتردي الذي أصبحت عليه المنطقة، وأشار احد الشبان من خريجي الجامعة إلى أن الوضع المتردي الذي أصبحت عليه المنطقة سببه تراكمات الماضي الذي ساهم في ضياع المنوال التنموي وارتفاع نسبة البطالة في صفوف الشباب الذي يعيش فراغا ثقافيا واجتماعيا واقترح احد رفاقه في نفس السياق بعث مشاريع من قبل شركة فسفاط قفصة تكون رافدا من روافد التنمية وإكساب المد التنموي بهذه الربوع مقومات التنوع والشمولية للحد من البطالة والتهميش. احد المواطنين وبعد أن تساءل عن وضع المنطقة المستقبلي استدل بارتفاع هجرة المراهقين والشبان إلى ايطاليا من المتلوي كمؤشر سيء للوضع العام لهذه الربوع المنجمية في حين رأت زوجته أن لا حياة بدون امن وآمان ثم لا بد من الالتفات بجدية إلى منطقة الحوض المنجمي عامة ورد الاعتبار لها.