أرقام لافتة للانتباه تلك التي تم الكشف عنها بمناسبة احتفال تونس هذا اليوم باليوم العالمي للصحة النفسية بعد طول تكتم عن نتائج دراسة ذات طابع دولي أنجزت سنة 2005 خارج إطار منظمة الصحة العالمية أبرزت إصابة 52%من جملة الأشخاص التونسيين الذين شملتهم الدراسة باضطرابات نفسية مع تسجيل 37% من حالات الاكتئاب النفسي والقلق. الرقم يبعث دون أدنى شك على الانشغال رغم أنّ مصادر طبية مختصة في الصحة النفسية شددت على أن الاضطرابات المقصودة مختلفة ومتنوعة تنطلق على سبيل المثال من أبسط المظاهر والسلوكيات من فوبيا بعض الحشرات والحيوانات إلى فوبيا المصاعد حتى تصل إلى أكثرها حدة وتعقيدا... وتأكيدا لما ذهبت إليه الدراسة أظهرت العديد من البحوث المنجزة في إطار نشاط الخطوط الأمامية للصحة تراوح نسبة الاضطرابات النفسية بين 30و50%من جملة الوافدين على مراكز الصحة الأساسية تطغى عليها حالات الاكتئاب النفسي ب28% و القلق والاضطرابات النفسية البدنية ب20%.
أزمة ثقة
فكيف هي حال صحتنا النفسية اليوم في ظل تصاعد حدة توترات نسق الحياة اليومية وبروز عنصر فقدان الثقة في كل ما يلف الحياة السياسية والقائمين عليها بعد ما أفرزته وكشفت عنه ثورة شباب تونس من حقائق مفزعة ومحبطة ومن فساد فظيع. هل أنّ نتائج الدراسة السابقة تجاوزتها الأحداث ؟ الدكتورة ريم بن غشام رئيسة الجمعية التونسية للطب النفسي لم تجار نسق الشق الثاني من تساؤلنا واعتبرت في تصريح ل»الصباح» نتائج دراسة 2005قابلة للاعتماد اليوم مشيرة إلى الحيز الزمني الفاصل ليس بالممتد لكنها شددت على أهمية عامل الثقة في المحافظة على توازن الصحة النفسية للشخص أو زعزعته في حال غيابه وانعدامه بحكم صعوبات الظرف الذي يمر به التونسي اليوم و لم يتمكن في الكثير من الحالات من التأقلم مع المستجدات ما أربك ثقته في الآخر.ويتوقف تجاوز هذه الوضعية على أهمية استعادة عامل الثقة وترى المتحدثة أنّ الوسيلة الأفضل لذلك هي التسامح والمصالحة.
إحاطة ضعيفة
ماذا الآن عن التعاطي مع حالات الاضطراب النفسي وماذا عن أوجه الإحاطة بالمرضى؟ علما أنّ الأمراض النفسية ومنها الاكتئاب على وجه الخصوص سيكون الأول على مستوى النسبة المرضية في العالم والسادس من حيث الأمراض المتسببة في الوفيات في غضون العشر سنوات القادمة. تعكس المعطيات التي أمدتنا بها دكتورة بن غشام محدودية الإمكانيات المتاحة على المستوى الوطني ماديا وبشريا ما من شأنه إعاقة جهود الإحاطة بالمرضى ورعايتهم. ولعل أبرز مظاهر النقص المسجلة تكمن في قلة عدد الأسرة الموجهة لإيواء المرضى والتي لا يتجاوز عددها 1015سريرا بكامل الجمهورية ما يعادل حسابيا 0,01سرير لكل 10آلاف ساكن وتستأثر ثلث الولايات فقط بهذه الأسرة. على صعيد الأخصائيين في المجال الإستشفائي الجامعي لا يزيد العدد عن 54أخصائيا. ويعتبر مستشفى الرازي الوجهة المتخصصة الأكثر ضغطا وإقبالا. تغطي خدماته ثلث السكان ويبلغ عدد إطاراته المتخصصة ربع المجموع العام للأطباء المختصين وهو ما يؤكد الحاجة لمزيد دعم هذه التخصصات وتوسيع نطاق خدمات التكفل بمرضى الاظطربات النفسية بمختلف أقاليم البلاد حتى لا يقع الضغط على المستشفى الأم مع إيلاء البحوث العلمية العناية والدعم الذي تستحقه. على كل ستكون الصحة النفسية للتونسي هذا اليوم تحت مجهر مختصين وخبراء محليين ودوليين يجتمعون لمناقشة المقاربة الشاملة لرعاية المرضى وتحديد دور كل متدخل في مجال الرعاية النفسية لإعطاء أفضل ما يمكن من الرعاية الخاصة بكل مريض وذلك على هامش الاحتفال باليوم العالمي للصحة النفسية تحت شعار «الصحة النفسية مسؤولية الجميع».