أثارت الأحداث الأخيرة التي جدت إثر بث قناة» نسمة» للفيلم الكارتوني المسيئ للذات الإلاهية «برسيبوليس»جدلا كبيرا بين التونسيين حيث تساءل كثيرون حول الهدف من بث هذا الفيلم في هذا الوقت بالذات وعن الجهة المستفيدة من الفوضى الحاصلة ، حيث اختلفت الآراء وتباينت وكثرت التحاليل والقراءات. اتصلت «الأسبوعي» بثلة من السياسيين لرصد موقفهم ورؤيتهم لما جد. الخطر في حجم العنف. يؤكد الأستاذ أحمد الصديق أن ما حدث من تداعيات سواء تعلق الأمر ببرمجة الشريط محل الجدل أوردة الفعل أمر مؤسف ، إذ قال :»إن ما حصل في الفترة الأخيرة على خلفية الفيلم الكرتوني قد غيرمجرى النقاش والحواروالجدال بين العائلات السياسية والفكرية في بلادنا. لقد وقع حصرالحديث في مسألة الهوية وهامش الحريات في التعبير والإبداع في علاقة هوية الشعب التونسي بدلا من الحديث عن الاستحقاق الانتخابي، والأخطر من ذلك هو حجم العنف اللفظي و التكفير و القذف الجماعي الذي شاهدناه في خطب الجمعة ، وإن كانت المبررات فالعنف او التلويح به أمرمرفوض جملة و تفصيلا لأنه كان هناك أكثر من سبيل للتعبير عن موقف قوي وعميق لا يختلف فيه مختلف أبناء شعبنا وهو ضرورة عدم المساس بعقيدة التونسي و هويته.» ويتابع محدثنا قائلا:»أما عن المستفيد أو المتضرر من هذه الأحداث فالآراء تختلف لكن أعتقد أنه و بغض النظرعن نيات من برمجوا ذاك الشريط من الذين كان لديهم استخفاف بحجم المسؤولية التي كانت ملقاة على عاتقهم - بامتلاكهم لوسيلة بث جماهيري هي قناة «نسمة» لها خط تحريري في مجمله غير منسجم مع المزاج العام للشعب التونسي بل ويمس ويخدش في العديد من المرات العناصرالثابتة لهويته- ان أكبر مستفيد هو التيار الإسلامي خاصة أولئك المقبلين على انتخابات التأسيسي - الذي تمكن من خلق حالة من التعاطف والتعبئة والتهييج ضد كل نفس ديمقراطي تقدمي في حملة مقصودة ومبرمجة استغلت الحدث لتكفير معظم خصومها السياسيين، لذلك أقول للذين أرادوا ضرب الإسلاميين قد اخطاؤوا في حساباتهم فيما نجح الإسلاميون.» صراع إيديولوجي في «حرب الانتخابات» بدوره استبعد الإعلامي والحقوقي صلاح الدين الجورشي اتهام أي طرف بالوقوف وراء ما حدث وبممارسة أي نوع من أنواع العمل التآمري ليؤكد بالمقابل ان الصراع الإيديولوجي الموروث منذ أواخر السبعينيات والذي بلغ ذروته في الثمانينيات خاصة داخل الجامعات إذ تطور وجود الإسلاميين كتيارقوي مرتبط بتصاعد حدة المواجهة (كما أسماها) بين هذا التياروخصومه خاصة اليسارواؤلئك الذين يرون في وجود الإسلام السياسي والإسلاميين في الساحة عموما خطرا». ويتابع حديثه قائلا :»بعد هروب بن علي و بداية الشروع في مرحلة التأسيس أصبحت أبواب السلطة مفتوحة أمام الجميع بل وأصبح كل طرف سياسي يسعى الى كسب مواقع هنا وهناك. ومع اقتراب الانتخابات بدات موازين القوى تختل على الارض وبذلك عادت المعارك الإيديولوجية حيث أصبح كل شيء مباحا لأنها أضحت بالنسبة لبعض أفراد هذه الاطراف معركة وجود وليست معركة مواقع في الخارطة السياسية القادمة لتونس.» التطاحن يتجاوز ما حصل. ويواصل صلاح الدين الجورشي حديثه قائلا:» ان الاحداث الاخيرة وغيرها من الاحداث السابقة تتجاوز التطاحن الثنائي بين الطرفين وكلما توفر مناخ لمعركة ايديولوجية جديدة يضع فيها كل طرف ثقله حيث يحاول كل منهما الحصول على أكثر ما يمكن لهما الحصول عليه.» وعن المعركة الأخيرة كما أراد تسميتها يقول محدثنا :»بعد أحداث الفيلم الكرتوني وما تبعه من تداعيات يعتقد كل طرف أنه حقق مكسبا ؛ فالسلفيون يظنون أنهم أصحاب فضل لأنهم من كانوا وراء الشرارة الأولى لردة الفعل وبالتالي يريدون إثبات حضورهم في الساحة . أما النهضة فقد حاولت توظيف المعركة لصالحها متبعة في ذلك طرقا متعددة عن طريق التصريحات المنددة بالذي حصل والتي تنبذ العنف أو من خلال شبابها عبر المواقع الاجتماعية. وفي ظل هذا الصراع اعتقد أن الانتخابات كانت معارك هامشية وأخشى أن يتوه فيها المواطن كما تاه في زحام القائمات الانتخابية.» ازدواجية في الخطاب !!.. يقول الأستاذ عبد العزيزالمزوغي متحدثا عن الفرق بين الحركات الإسلامية الموجودة على الساحة :»تختلف القاعدة التي تعود بالنظرالى النهضة عن السلفية او التحرير فشباب الحركة عبر الانترنات من خلال المواقع الاجتماعية خاصة لديهم زاد كبير من التطرف ، كما لهم ملكة السب والتي أصبحت أمرا عاديا بالنسبة إليهم وهو ما لم تتخذ النهضة بمكتبها السياسي أي موقف حياله. في المقابل تنقسم السلفية الى شقين : طرف يناضل بطريقة سلمية وآخرعبرالتهديد والتطرف. وبخصوص حزب التحريرفاعتقد أنه من الأولى أن يعطى تاشيرة حتى يوضح موقفه ومسؤوليته مما يحدث وليؤطر شبابه. عموما اعتقد أن ما لم يرق للنهضة ومناصريها من موقف بعض الأطراف السياسية فإنه يتعرض للسب وهو ما يفسرازدواجية الخطاب لدى الحزب بين الدعوة إلى نبذ العنف وممارسته وإن كان عنفا لفظيا وتعديا على الآخرين بالكلمة ، لكن في حقيقة الأمرلا أؤمن بهذه الازدواجية لأن قواعدها يجهلون الحوار مع الآخر؛ فاحترام المقدسات موضوع مطروح للنقاش لكن العنف أمرلا يناقش فيه لأنه غير مبرر. « وعما تعرضت إليه قناة» نسمة» استغرب المزوغي استهدافها من قبل من قال عنهم إنهم احتلوا منابر»القناة الوطنية» وقناة «حنبعل» ولو بشكل أقل فيما يقع الاعتداء على ما أسماها بالقناة المتحررة. وقد استغرب سعي هؤلاء الاعتداء على مقر قناة بعد هروب بن علي . حيث يقول:»ما يجب أن نتفق حوله جميعنا وبغض النظرعن موضوع المقدسات هو رفض قبول الرأي الآخر بالقوة لأن من يتجاهل التعامل بشكل حضاري مع مخالفيه في الرأي قبل الانتخابات لن يكون إلا خائفا من نتائجها وهو أمر مخيف.» أيام قليلة تفصلناعن انتخابات التاسيسي، لذا ينتظرمن الجميع من أحزاب سياسية و مكونات مجتمع مدني وشارع تونسي التعاون من أجل إنجاح هذا الموعد وتغليب مصلحة الفرد على المصلحة الجماعة أو شخصنة المسألة والدخول في سجالات سياسية لا تسمن ولا تغني من جوع فقد تضيع فرصة إنجاح ثورة لن تتكررمرتين في التاريخ.