يتمنى كل أب وأم في الدنيا أن يكون أبناؤهما متفوقين في دراستهم، ناجحين في حياتهم بكل تفاصيلها. وقد تتحقق الأماني أحيانا وقد تذهب أدراج الرياح أحيانا أخرى. والنجاح في الدراسة يتوقف على أسباب عديدة كالمحيط والعائلة وبنسبة قليلة على النبوغ والتفرّد. في هذه المساحة سوف نحدثكم عن النجاح العلمي في العائلات وكي نوضح أكثر نقول أنه توجد عائلات تونسية يجمع بين كافة أفرادها النجاح العلمي. بعض العائلات كل أفرادها أطباء وبعض العائلات كل أفرادها مهندسون أو أساتذة او غير ذلك من الاختصاصات. وبكل تأكيد فإن وراء كل نجاح قصة وأسرارا حاولنا أن نعرف بعضها من خلال سؤال مركزي يقول: هل أن التفوق العلمي وراثي أم أنه لا دخل للوراثة فيه؟
عائلة العياري: 6 علماء في بيت واحد المثال الساطع على التفوق العلمي في العائلة الواحدة هو بلا شك عائلة العياري بحمام الأنف وهي أصيلة ولاية القيروان. في هذه العائلة تربي ستة إخوة..وعندما توفي والدهم تكفلت الأم بمهمة تربيتهم وقامت بها على أحسن وجه. وكانت النتيجة مفخرة لها ولكل التونسيين: ستة دكاترة في بيت واحد. أما اختصاصاتهم فتتراوح بين الفيزياء والرياضيات وعلوم الفضاء.. وغيرها.. ولعل العديد من التونسيين يعرفون أن أحد هؤلاء الاخوة، وهو «محمد الاوسط العياري» عالم يعمل بوكالة الفضاء الامريكية «النازا» وهل هناك فخر أكبر من هذا؟ حكمة الدكتور م.ظ :«إنما العلم بالتعلم» أخذنا البحث عن أسرار النجاح الى ضاحية باردو حيث توجد عيادة الدكتور «م.ظ» قبل أن أذهب اليه قال لي الدكتور الصديق عبد الحميد حفيظ (هو أيضا له حكايات مع النجاح العلمي في العائلة سأذكر بعضها لاحقا): «عندك ما تسمع» وعندما خرجت من عيادته أيقنت فعلا أنني لم أسمع غير النزر القليل من هذا الموسوعة. طرحت عليه فكرة هذا التحقيق فقال: أنا لا أؤمن بالنبوغ أو بالوراثة وانما بالعمل وتوفير اسباب النجاح. المسألة عندي تبدأ بحلم يعيشه الوالدان. هذا الحلم يمكن تجسيده اذا عرف الوالدان كيف يوفران الحب الكبير لابنائهما وكيف يربيانهم على الثقة في النفس وحب التعلم. وعندما كان ابنائي صغارا كنت أكتب لكل واحد منهم حكمة تلخص كل شيء وهي: انما العلم بالتعلم. وعندما أقول لا مجال للحديث عن نبوغ فدليلي أني تكفلت الى جانب أبنائي ببعض المطرودين من الدراسة فنجحوا وفيهم الآن من يقوم بالتدريس في أحسن جامعات أمريكا». مراحل النجاح يقول الدكتور «قبل الحديث عن مراحل النجاح من وجهة نظري أؤكد انه (اي النجاح) لا يكون الا بميشئة الله وفضله. فالله هو الذي يهب النجاح للانسان فيبقى مدينا له بهذا النجاح الذي يبدأ بالحلم، مثلما قلت: ثم بالتربية والتنشئة على حب التعلّم فلا نرهق ابناءنا بالجري وراء النتائج خاصة في المراحل الاولى ثم الاقبال على التعلم مع حب الدراسة ثم مساهمة الوالدين اللذين عليهما الا يكتفيا بما يعطى لابنائهما في المدرسة أو المعهد بل عليهما فتح الآفاق العلمية في مجالات مختلفة (تاريخ وجغرافيا وفلسفة وغيرها) ثم على الوالدين التحلي بالصبر والتعامل الايجابي مع النتائج (رفع معنويات الصغير عندما يجرز نتائج ضعيفة أو متوسطة وجعل ذلك منطلقا للتحسن) بعد ذلك تأتي مرحلة غرس الشعور بالثقة في النفس واحترام المؤسسة التربوية ثم إعطاء قيمة لنقص النظر وضرورة اجراء فحص طبي على العينين كل سنة للتأكد من سلامتهما وبالتوازي مع كل ما سبق لابد من ممارسة نشاط أخر خارج الدراسة وحبذا لو يكون رياضيا وفي رياضة جماعية بالتحديد. وهناك ايضا مرحلة نقل الحلم من الوالدين الى الابناء كي يشاركوا باقتناع في تجسيده». جزئيات بسيطة لكنها كبيرة عندما بدأنا الحديث عن الموضوع قال الدكتور م.ظ : «دعني أبدأ من النهاية فهناك جزئيات بسيطة في نظر البعض لكن دلالتها عميقة وتساهم بجزء وافر في النجاح. أخذ بين يديه «البوم» وأطلعني على محتوياته لم تكن فيه سوى بعض الصور القليلة بل كان فيه الكثير من البطاقات البريدية التي أرسلها اولاده من فرنسا وكندا وانقلترا والخليج والمانيا وغيرها من البلدان التي زاروها سواء للدراسة او لمجرد الزيارة. في تلك البطاقات تستطيع أن تقرأ بوضوح وسهولة عبارات الحب والشوق الموجه من الابناء الى الدكتور وزوجته الدكتورة« س» لم ينس الابناء أعياد الميلاد ولا المناسبات الدينية.. واحيانا أرسلوا البطاقات بلا مناسبة.. وعندما أطلعني الدكتور على تلك البطاقات أراد أن يلفت الانتباه الى عدة امور منها الرمز المستوحى من البطاقات البريدية في عصر الانترنات ومنها ابراز الاعتراف بالجميل من الابناء للآباء وهذا عنصر يعتبره مهما جدا في النجاح.. ومنها أيضا ابراز عنصر التواصل وشعور الابناء بالمسؤولية حتى وهم بعيدون عن انظار والديهم ومراقبتهم. 3 دكاترة ومهندس والبقية تأتي الدكتور م. ظ هو ابن الحلفاوين زاول تعلمه بالمعهد الصادقي وتخرج من كلية الطب بتونس. تكوينه مخضرم بين العلم والادب (والتعبير له) له في عيادته مكتبة صغيرة بها حوالي 200 كتاب عن الشعر والادب والتاريخ والجغرافيا والفقه والفلسفة والرسم.. زوجته دكتورة ايضا وتعمل بمعهد صالح عزيز بالعاصمة. أما أبناؤه فهم: «م.م» المتحصل على جائزة سيادة رئيس الجمهورية سنة 1996 لأحسن تلميذ في الباكالوريا تمكن من التوفيق بين النجاح الدراسي والتألق الرياضي. بعد ذلك درس بمدينة تولوز الفرنسية ثم التحق بمعهد «البوليتكنيك» بباريس وتحصل على شهادة مهندس. ثم تابع دراسة المرحلة الثالثة في كلية الرياضيات بباريس 7حيث تحصل على شهادة الدكتوراه. اثر ذلك ذهب للتدريس بمعهد «كامبريدج» بأنقلترا والتحق مؤخرا بمعهد «Imperial collège» بلندن للتدريس ومتابعة أبحاثه. الابن الثاني هو «م.م.ظ الذي نال ملاحظة حسن جدا في باكالوريا 1998 ذهب الى تولوز ايضا ومنها الى باريس ليتابع دراسته الهندسية في اختصاص الجسور والطرقات وهو الآن مهندس يعمل بالخليج لفائدة شركة فرنسية . أما الابن الثالث فهو حاصل على شهادة الباكالوريا سنة 2003 بملاحظة حسن جدا. درس بمدينة تولوز والتحق بالمدرسة العليا للاشغال العمومية (E.S.T.P) في انتظار حصوله على شهادة مهندس ثم على الدكتوراه بإذن الله. تكاليف النجاح يقول الدكتور م.ظ : النجاح له ثمنه اضافة الى كل ما ذكرت هناك حقيقة لا يشعر بها ابناؤنا وهي ان كلفة النجاح في تونس تكاد تكون لاشيء لان الدولة تتكفل تقريبا بكل شيء واغلب الطلبة تمتعوا في وقت أو في آخر بمنح تسهل عليهم تحقيق أحلام كبيرة لا يتسنى تحقيقها الا بمئات الآلاف من الدنانير في جامعات الخارج. وأختم بالتأكيد على أن النجاح هو حق لكل تونسي بشرط ألا نكسر شخصياتهم واحلامهم. اما اكبر نجاح فهو ألا يتوقف ذلمك النجاح عند الابناء بل يجب عليهم أن يكرروا التجربة مع غيرهم أي مع ابنائهم وأبناء غيرهم». عائلة الدكتور حفيظ: حرية الاختيار في مثال آخر للنجاح العلمي لدى العائلة الواحدة لا يمكن لي الا أن اذكر عائلة الدكتور عبد الحميد حفيظ المعروف بضاحية حمام الانف وهو أصيل قابس وزوجته الدكتورة جميلة الورتاني بنت القيروان وعلى غرار الدكتور «م.ظ» مهد الدكتوران عبد الحميد وجميلة كافة أسباب النجاح لأبنائهما فأثمر الجو العائلي والتضحيات الدكتورة رانيا حفيظ والمهندس محمد والدكتورة رافلة ووليد الذي يدرس التجارة الخارجية (سنة ثالثة) واذا كان لهذه العائلة دكاترة في الطب فإن ذلك لم يكن بضغط من احد الوالدين اذ يقول الدكتور عبد الحميد: لم أتدخل ابدا في اختيارات ابنائي الذين مال اغلبهم الى الطب ولم تفرض زوجتي جميلة كذلك على أي واحد منهم اختيارا معينا. هم اختاروا دراسة ما أحبوا فنجحوا لاننا نؤمن أن حب الدراسة والاختصاص شرط أساسي للنجاح. لا وجود للعبقرية في عائلتي عندما تطرقنا الى مسألتي الوراثة والعبقرية قال الدكتور عبد الحميد حفيظ: لم أكن عبقريا ولم تكن زوجتي كذلك ولا أعتقد أن النجاح العلمي مرتبط بالعبقرية ولا بالوراثة ايضا. فالطالب المتوسط يمكنه أن يجتهد ويعمل فينجح ويصل الى اعلى المراتب. واعتقد أن البشر ينقسمون الى ثلاثة اقسام: 5% اذكياء (ولا أقول عباقرة) و5% أغبياء.. و90% عاديون او متوسطو الذكاء.. والعمل والاجتهاد والتعلق او الاصرار على التألق والنجاح عناصر لو اجتمعت فإنها تخلق التفوق وتميز هذا على ذاك». تحقيق :جمال المالكي ظواهر اجتماعية نقل حرفاء أم نقل بضائع؟ كلما سئل مسؤول في شركة نقل تونس عن رأس المال الحقيقي للشركة الا وقال: «الحريف» لكن يبدو أن هذا الكلام مجرد شعار أجوف والادلة كثيرة وهذا واحد منها على سبيل الذكر لا الحصر. يوم الاحد 27 ماي الماضي ركبت المترو رقم 2 من محطة 10 ديسمبر وكان من المفروض أنه سيحمل الركاب إما الى محطة برشلونة وإما الى تونس البحرية. لكن عندما وصل الى محطة الجمهورية طلب السائق من الركاب النزول معلما إياهم بأن تلك المحطة هي نهاية الخط. وفي الوقت ذاته كان هناك ركاب متجهون نحو أريانة لكن السائق أعلمهم (عبر مضخم الصوت دائما) بأن «المترو هذا ما يهزش الركاب» فلم يصعد أحد.. وبعد حوالي خمس دقائق تغيرت الاحوال وصار المترو «يهز الركاب» فأعلم السائق المنتظرين بأنه آخر مترو متجه الى أريانة (كان ذلك مع انطلاق الشوط الثاني لمقابلة الترجي وحلق الوادي) .. اعود الآن الى أولئك الذين نزلوا معي.. فقد بقينا ننتظر أن يأتي مترو آخر (3 أو 4 أو 5) لنكمل فيه الرحلة.. وانتظرنا حوالي 15 دقيقة وعندما أتى رقم 5 سلك مسلكا غير عادي ثم عاد من محطة الجمهورية الى حي الانطلاقة.. ومن خلال ما دار من حديث بين المنتظرين فهمت أن انتظارنا سيطول دون فائدة.. وتحدث البعض عن اشغال على السكة.. وفي الاثناء ذهبت الى مكتب رئيس المحطة ولاحظت اجتماعا مصغرا ضم حوالي سبعة أو ثمانية عناصر (من الجنسين).. سألت فأعلموني بأن العربات «حدها حد محطة الجمهورية» لماذا؟ لا أحد أعطاني الجواب.. سألت: هل أنتم تنقلون حرفاء أم بضائع؟ فلم يجبني احد..سألت: لماذا لا تعلمون الناس وتتركونهم في التسلل وهل أن ابلاغ المعلومة صعب الى هذه الدرجة؟ فلم أظفر بأي حرف.. كتمت غيظي في صدري وقطعت المسافة بين محطة الجمهورية وساحة برشلونة مشيا وعلى السكة بالذات.. لماذا لاتأكد من أنه لا توجد اشغال ولا هم يحزنون.. وعندما وصلت الى مفترق شارع قرطاج وشارع فرحات حشاد التفت الى الوراء فوجدت حضرة المترو قادما لا يحمل الركاب ثم انعطف الى اليسار..أي الى تونس البحرية.. وهنا أسكت لاترك المجال لمسؤولي الشركة.. فماذا تراهم يقولون؟ «البورطابل» والكذب لو كان من صنع الهاتف الجوال يعلم أنه سيساعد على انتشار الكذب بين الناس لعدل عن فكرته وقال «موش لازم» لن أحكي لكم ما يحدث في عالم «البورطابل والكذب» واكتفي بواحدة من أطرف ما حدث في هذا المجال، في احدى المقاهي الكبيرة كنت جالسا مع شخص وعندما هممنا بالخروج رنّ هاتفه الجوال وكان واضحا ان مخاطبه سأله عن مكانه فقال: «أنا توّة في المرسى وانتى فين؟ آه في بن عروس؟ خسارة والله حبيت نقابلك اليوم» يعني واحد في المرسى وواحد في بن عروس.. وعندما سرنا بضع خطوات التقى الرجلان داخل المقهى وهذا يعني أن احدهما (مرافقي) كان خارجا منها وان مخاطبه كان داخلا اليها.. وانكشفت طبعا حكاية بن عروس والمرسى.. ألم أقل من البداية أن «البورطابل» والكذب أحباب؟ المرضى والاطباء في كل المستشفيات يطلب من المرضى الراغبين في اجراء أي فحص الحضور بداية من السابعة صباحا للتسجيل..ومع حلول الساعة التاسعة تغلق شبابيك التسجيل الا في أقسام الاستعجالي طبعا، لكن متى يأتي الاطباء يا ترى؟ بالتأكيد بعد الساعة العاشرة، وهنا أسأل: لماذا يبقى بعض المرضى ثلاث ساعات واكثر في انتظار الطبيب؟ لماذا لا تلزم المستشفيات الاطباء بالحضور على الساعة الثامنة صباحا مادامت تلزم المرضى بالحضور باكرا؟ ألا يستدعي الامر مراجعة أم أن «المريض» هو دائما من يدفع الثمن؟ صعاليك آخر الليل في اغلب الاحياء الشعبية هناك بعض الاشخاص لا يحلو لهم السهر الا بعد منتصف الليل.. سهرهم هذا ليس عاديا اذ يتم عادة «تحت حيط» وتتخلله مشروبات وكلام نابع من أنذل قواميس البذاءة.. وغالبا ما تنتهي هذه «القعدات» بشجار وضارب ومضروب.. وهلم جرا.. اما الخاسر الاول والاخير فهو صاحب الدار المغلوب على أمره.. المجبر على سماع ما يكره وسط عائلته.. والمجبر أيضا على السهر مع الصعاليك حتى يتبين الخيط الابيض من الخيط الأسود ..وأما السؤال الاهم في مثل هذه الحالات فهو: كيف يتصرف هؤلاء الصعاليك دون رادع أو عقاب؟ هل يلبسون «طاقية الاخفاء» فلا يراهم احد مثلا؟ لا تعرّضوهم للخطر كثيرا ما نرى التلاميذ في التعليم الاساسي يحملون هواتف جوالة فخمة كي يتواصلوا بها مع عائلاتهم.. هذا جميل ومفهوم.. لكن يبدو أنه غاب عن الاولياء انهم بذلك يعرضون ابناءهم الى الخطر، فالمعروف أن «المتربصين» بالهواتف الجوالة لا يكاد يخلو منهم حي وكم من كبار ذهبوا ضحايا لعمليات «براكاج» غنيمتها هاتف جوال فما بالكم بهؤلاء الصغار الذين لا حول ولا قوة لهم أمام الخطر الذي يهددهم.