لعله من طرائف إعلام ما بعد الثورة... بل قل من المضحكات المبكيات، أن يرى المواطن -اليوم- وسائل الاعلام "الوطنية" السمعية منها والمرئية والمكتوبة وهي تتنافس بحماس "مهني" لافت -وأكاد أقول بغباء وصفاقة- في نشر فحوى التقرير الصادر عن "اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الفساد والرشوة" الذي يحصي شواهد وأمثلة حية على فساد نظام المجرم بن علي -ما ظهر منه وما بطن- على مختلف الأصعدة وفي جميع أوجه النشاط على امتداد أكثر من عقدين... ذلك أنه واذا كان لا بد لأي تونسي -وهو يطلع على مضمون هذا التقرير- ان يهاله حجم الفساد الذي استشرى على عهد دولة الطاغية في مختلف أوصال الدولة والمجتمع... فانه لا مناص -بالمقابل- لهذا التونسي "البسيط" من أن يسأل بمزيج من الخبث والسخرية: أين كان إعلامنا "الوطني" طيلة فترة الحكم المافيوزي لبن علي وعصابته؟.. ولماذا لم نر إعلاميينا "الأشاوس" يشيرون -لا من قريب ولا من بعيد- على امتداد سنوات الحكم الفاسد الى "أمثلة" ولو بسيطة من جرائم الرشوة والفساد هذه؟؟ لا،،،، بل سيسأل أيضا: أين كان رجال القضاء والأكاديميون والخبراء أنفسهم الذين نجد البعض منهم اليوم ينطق باسم هذه "اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الفساد والرشوة"؟؟ طبعا،،، هذه أسئلة لا يبدو أن التونسي البسيط يبحث لها عن اجابة وهو يطرحها على طريقته وبالصيغ التهكمية التي يجيدها لأنه يدرك أن الإعلام والقضاء وغالبية رموز "النخبة" السياسية لم يكونوا سوى "قطع غيار" في ماكينة الفساد والرشوة التي لولاهم ما كان لها أن تدور وتشتغل -على امتداد أكثر من عقدين- بتلك النسبة من الشراسة و"المردودية" و"النجاعة"... نقول هذا الكلام لا من أجل المزايدة على أحد... بل نقوله وفي البال أسماء لشخصيات وطنية مناضلة من أجيال مختلفة جاهرت فعلا وقولا بعدائها ومعارضتها للمجرم بن علي ولدولة القمع والفساد والاستبداد التي أقامها على اثر انقلاب السابع من نوفمبر وعانت في سبيل ذلك بل وذاقت الويلات ودفعت الثمن باهظا... أما الذي نريد أن ننتهي اليه من خلال كل ما سبق -وباختصار شديد- هو ضرورة أن تصمت -اليوم والى الأبد- أبواق النفاق والانتهازية والجبن الإعلامي والقضائي والسياسي... لأن "الكلمة" اليوم بعد الثورة وبعد ملحمة انتخابات المجلس الوطني التأسيسي إنما هي فقط للشعب وللانسان التونسي الفرد البسيط... تصمت هذه الأبواق -لا إقصاءً- ولكن لكي لا تفسد على الانسان التونسي عذوبة وعظمة ونبل اللحظات التاريخية التي يحياها، وهو يقيم بإرادته، ولأول مرة في تاريخه المعاصر، مؤسسات دولته الديمقراطية الجديدة... دولة المواطنة والعدالة والحقوق والحريات...