هل تستقيل قيادة حركة التجديد وتستجيب بالتالي لنداءات بعض كوادرها وقياداتها التي طالبتها بذلك قبيل انعقاد المجلس المركزي وخلاله؟ أم تستمر القيادة في مهمتها الى غاية المؤتمر المقرر في فيفري القادم؟ كيف تعامل «التجديديون» مع نتائج الانتخابات، سيما بعد أن حصدوا مقاعد محدودة في إطار القطب الحداثي الديمقراطي الذي كانوا طرفا فيه؟ ما هو مستقبل حركة التجديد ضمن المشهد السياسي والحزبي القادم؟ هل تبقى حزبا ضمن القطب أم تدخل في إطار تحالفي أوسع يشمل حساسيات وأحزابا أخرى؟ كيف يبدو مستقبل «اليسار» في تونس خلال المرحلة المقبلة؟ هذه التساؤلات وغيرها، طرحتها «الصباح» على الامين الأول لحركة التجديد، السيد أحمد إبراهيم في حوار خص به «الصباح»، وهو يعدّ الاول من نوعه بعد انتخابات 23 أكتوبر الماضية..
بعض أعضاء الحزب طالبوا باستقالة القيادة على خلفية النتائج الانتخابية الهزيلة وصدرت مقالات في هذا الاتجاه..
صحيح أن هناك من طالب على أعمدة الصحف باستقالة قيادة الحزب، لكن هذا الموضوع لم يطرح رسميا داخل مؤسسات الحركة، وآخرها المجلس المركزي..
معلومات موثوقة تقول أن بعض قيادات الحزب أعادت طرح القضية في المجلس المركزي؟
لم يقع تقديم وثيقة رسمية تطالب قيادة الحزب بالاستقالة، كان هناك نقاش ووجهات نظر، والفكرة طرحت، لكن غالبية المجلس المركزي، كانت حريصة على وحدة الحركة ومصلحتها، في نفس الوقت الذي كانت فيه حريصة على النقد والبحث الجدي على مواطن الضعف، والعزم على تجاوزها في إطار هذه المرحلة السياسية، حتى نذهب الى الاستحقاقات والمعارك القادمة، ونحن موحدون، وقد توسعنا وعززنا فكرة التحالف بين القوى الديمقراطية والتقدمية، ولعل مما يدل على وحدة الحركة، هو أن اللجنة التي اختارها المجلس المركزي للاعداد للمؤتمر القادم للحزب أيام 10 و11 و12 فيفري 2012، كلفتني برئاستها، وبالتالي سيكون المؤتمر فضاء لطرح جميع المقاربات والآراء بكامل الديمقراطية، والمؤتمر بالطبع سيد نفسه.
بعض أعضاء الحزب يعتبرون أن المؤتمر القادم سيكون نسخة من سابقيه..
المؤتمر سيكون تجديديا لا يقتصر على الهياكل الراهنة، وإنما يتوسع حقيقة الى الطاقات الكبيرة، من الشباب ومختلف الفئات، وأن ينجح في الانتقال الى حزب متجذر في البلاد في جميع فئاته الاجتماعية، وهذا هاجس أساسي لحركة التجديد.
حصاد الحزب في الانتخابات كان ضعيفا.. هل قمتم بمراجعة نقدية لآدائكم واخطائكم خلال الاستحقاق السابق؟ وما هي ملامح الانتقادات التي توصلتم إليها؟
هناك بداية تقييم انطلقنا فيه ضمن إطار المجلس المركزي الأخير، ولدينا مجلس وطني (عقد أمس)، تحضره كامل فروع الحزب ورؤساء القائمات الانتخابية، وسنواصل عملية التقييم ونأخذه من كل جوانبه.. ولاشك أن المجلس المركزي توقف عند الأسباب الذاتية والموضوعية لهزال النتائج الانتخابية..
ما هي هذه الأسباب تحديدا؟
ثمة إقرار بأن القطب الديمقراطي الحداثي الذي كنا أحد مكوّناته، وقع تكوينه بصورة متأخرة، مما جعل مردوديته وإشعاعه محدود ولم يصل الى المواطنين والناخبين بشكل واسع، وتوقفنا كذلك عند ضرورة إعادة النظر في الخطاب السياسي للحزب، حتى تصل الرسالة بوضوح الى عموم المواطنين، وحتى يكون التوجه الديمقراطي الحداثي، الذي هو مستقبل البلاد، وهو في تناغم مع هويتنا العربية الاسلامية المتجددة، ومع كل ما هو نيّر وعقلاني في تراثنا، مفهوما لدى الرأي العام، والتصدي من ثم، لمحاولات التشويه التي حصلت فعلا، وتجنب المنزلقات الايديولوجية التي لم تكن من مسؤولياتنا، إنما فرضت علينا ضمن السياق السياسي والانتخابي العام، عبر وسائل الاعلام والدعاية واستعمال المساجد.. فلابد حينئذ من إعادة بلورة خطابنا السياسي، حتى يكون واضحا أن حركة التجديد والقوى الديمقراطية الحداثية، تعبّر عن المشاغل الحقيقية للمواطنين، وتطرح الحلول الناجعة والقابلة للتطبيق.
على المستوى التنظيميي، ألم تتوقفوا عند بعض الثغرات أو الأخطاء التي رافقت حملتكم الانتخابية؟
لقد انتبهنا الى عديد النواقص التنظيمية، من بينها، أن الحركة لم تنجح في حسن استيعاب الطاقات الكبيرة التي جاءت بعد الثورة، ولم تنجح في توسيع دائرة المسؤوليات لهذه الطاقات الجديدة، وهذا في اعتقادي هو الهدف الذي سوف نعمل من أجله في المؤتمر القادم، حتى تعرف الحركة تحوّلا حقيقيا، يكون متناسبا مع انتظارات أوساط واسعة من القوى الحيّة، وهذا هو هاجسنا الاساسي خلال المؤتمر القادم، وذلك وفقا لمصلحة البلاد التي تقتضي تعديل الانخرام الواضح في موازين القوى الحالي، لصالح قوى التقدم والديمقراطية..
هذا هو السؤال المطروح الآن سي أحمد، كيف ستتصرفون إزاء ما تصفونه ب «الانخرام» في المشهد السياسي؟
الحقيقة، أنه على الرغم من هزال حصادنا الانتخابي، هناك مكسب سياسي يتمثل في حصول اقتناع بالضرورة التاريخية الملحة لتوحّد قوى الديمقراطية والحداثة والتقدم، وهذا هو الدرس الذي استخلصته كل القوى الجدية، لأن الاستمرار في التعامل مع الوضع الراهن بعقلية حزبية ضيقة، لم يعد ممكنا، وأن مصلحة البلاد من وجهة نظرنا تقتضي وجود قوة ديمقراطية وحداثية مؤثرة، وهذا هو الهدف الاستراتيجي الذي ستضطلع به حركة التجديد باتجاه التوسع والتوحد في إطار تحالف، أو في إطار حزب ديمقراطي أوسع..
يبدو أن هذه الفكرة تجد لها صدى في بعض الاوساط السياسية؟
فعلا، هذه الفكرة بدأت تجد صداها أكثر فأكثر لدى أطراف متعددة، نرجو أن تكون استخلصت الدروس من التجربة الانتخابية السابقة.
هناك معلومات تفيد أنكم دخلتم في مشاورات مع هذه الأطراف. فإلى أين وصلت هذه المشاورات؟ وما هي الأحزاب والحساسيات المعنية بالحزب الواسع؟
مثلما قلت لك، القطب الحداثي كان رسالة، عنوانها ضرورة توسيع التحالف الحداثي، لكنها رسالة جاءت متأخرة، وقد بينت نتائج الانتخابات، أن الفكرة صحيحة ونحتاج الى توطيدها، وأقول اليوم أن الوعي بضرورة التوحد قد تقدم، وقد دخلنا في اتصالات ومشاورات حثيثة مع القوى التي استخلصت الدروس، سواء تعلق الأمر بالحزب الديمقراطي التقدمي، أو حزب آفاق تونس، أو حزب العمل التونسي، أو قوى أخرى.. ونحن نريد توسيع المشاورات حتى تكون في المجلس التأسيسي كتلة موحدة ومؤثرة، وأن تكون في المجتمع السياسي والمدني، قادرة على إبراز تيار حداثي ديمقراطي له تأثيره، ويشكل نواة لسلطة مضادة تكون قادرة على خوض المعارك القادمة بحظوظ نجاح أوفر وفي ظروف أنسب.
لكن بعض المراقبين، يرون أن مشكل هذه القوى، يكمن في «مرض الزعاماتية» الذي منعها من النجاح في صياغة تحالفات حقيقية.. ما رأىك؟
عقدة الزعاماتية تنسحب على جميع الاحزاب، وليست حكرا على القوى الديمقراطية أو على اليسار.. المشكل هو كيف نبني ثقافة ديمقراطية بعد أكثر من خمسين سنة من الرأي الواحد والحزب الواحد والاستبداد، مما خلق تصحّرا سياسيا ليس من السهل أن نتجاوزه الى وضع ما بعد الثورة، فالثقافة الديمقراطية ليست مجرد آليات انتخابية، ومن يربح ومن يخسر، إنما هي ثقافة وعقلية في المجتمع، وهذا يعني تجاوز النزعات الفردية والطموحات الزعاماتية، حتى نقدر على ترجمة قيم الثورة على أرض الواقع، ونحميها من كل ارتداد، سواء كان ارتدادا سياسيا نحو شكل من الاحادية والاستبداد، أو الارتداد الحضاري من خلال بعض الطروحات التي نحن مطالبون باليقظة إزاءها، حتى يكون النظام السياسي الجديد يدفع البلاد الى الأمام ويحميها من كل تراجع الى الخلف..
هناك من يعتبر أن هذه القوى الديمقراطية والحداثية، هي قوى نخبوية، وكشفت الانتخابات بوضوح عن هذا المعطى، في رأيك، ألم يحن الوقت لقيام هذه القوى بمراجعات فكرية وإيديولوجية لتجاوز هذه النخبوية في تفكيرها؟
نحن في حركة التجديد، قمنا بمراجعات..
أنا أتحدث عما بعد الانتخابات وليس قبل الثورة..
نعم، قمنا بمراجعات بعد نتائج الانتخابات، وتوقفنا عند مشكلة الإنغراس الاجتماعي والصبغة الجماهيرية لكل هذا التيار الحداثي الديمقراطي، ونحن مقتنعون بالحاجة الى مراجعات، وتجاوز بعض القوالب القديمة.. نحن في الحزب قمنا بمجهود في هذا الاتجاه، ولكننا نعتقد أن هذا الجهد ينبغي أن يشمل التيار ككل ولا يقتصر على حركة التجديد، ويبدو لي أن ثمة إمكانيات كبيرة لتحقيق الوحدة بين هذه القوى، عبر مراجعة البرامج والخطاب حتى يكون مفهوما في أوساط الرأي العام، بحيث نتوجه الى الفئات الشعبية بأسلوب مختلف وبمحتوى يكون وفيا للديمقراطية والقيم التقدمية، وفي نفس الوقت نقدم حلولا قابلة للتطبيق.. هناك نخبوية، هذه حقيقة، والمهمة التاريخية هي كيف تنغرس هذه القوى صلب المجتمع؟ ونحن نعتقد أن الاجابة عن هذا السؤال لا يمكن أن تتم في ظل التشرذم، فلا بد من التقاء وتحالفات سيما أننا نلاحظ مواقف ومقاربات متجانسة، ومن غير المفهوم استمرار العمل «كلّ في حانوته الخاص»، ويجب أن نتجاوز الحزبيات الضيقة والحسابات والطموحات الشخصية، لكي نقدم للبلاد مشروعا بديلا ومقنعا، من شأنه ترجيح الكفة لصالح قوى الديمقراطية والتقدم.
في المجلس التأسيسي، اخترتم المعارضة.. كيف ستتحركون؟ هل في إطار كتلة برلمانية أم بشكل مختلف؟
نحن في المعارضة، هذا ليس اختيارا إنما فرضته نتائج الانتخابات، لكننا في فترة انتقالية، ونحن مع التوافق.. لم تكن انتخابات 23 أكتوبر برلمانية، إنما هي انتخابات لمجلس تأسيسي، ولذلك دعونا إلى أن تنكب الجهود للبحث عن توافق حول صياغة الدستور ومؤسسات الجمهورية، المتطابقة مع مطالب الثورة والمتماشية مع روح العصر، ونعتقد أنه بالإمكان الاتفاق على برنامج مرحلي لهذه السنة، اقتصادي واجتماعي وسياسي، وأن يوكل تطبيق هذا البرنامج المرحلي الى حكومة كفاءات وطنية، حتى نبعد عملية البناء الراهنة عن التجاذبات الحزبية والتقاسمات والمحاصصة، لكن الإطراف ذات الأغلبية اختارت التعامل مع الانتخابات وكأنها ذات صبغة برلمانية، وبمنطق الأغلبية والأقلية، وهذا ما جعلنا في موقع المعارضة التي ستكون مسؤولة، تضع مصلحة البلاد في هذه المرحلة، فوق كل اعتبار، وسوف نتعامل مع الحكومة القادمة بلا مزايدات، ولكن عبر الحرص على دعم كل ما يدفع نحو مصلحة البلاد، وعلى العكس سنطرح البديل لكل ما نراه معارضا لمصلحة البلاد أيضا.
كيف تتابعون المفاوضات بين أحزاب ال «ترويكا» الحاكمة؟
نحن نعتقد بضرورة احترام مؤسسة المجلس التأسيسي، فسواء تعلق الأمر برئاسة الجمهورية أو رئاسة الحكومة أو غيرها، فإن ذلك من مشمولات المجلس الذي هو سيّد نفسه، وكان بالإمكان أن نحترم أمام الرأي العام، وأمام الناخبين، هذه المؤسسة الجديدة الهامة، حتى تكون لها هيبتها، لأن الأساس هو إنجاح هذه المرحلة الانتقالية، بعيدا عن منطق الأغلبية والأقلية، وتقسيم المشهد الى سلطة ومعارضة.. نعتقد أنه كان من الضروري التعامل مع هذا الموضوع بمنطق متزن واكثر اعتدالا، وضمن الحرص على التوافق على جملة من المسائل، في مقدمتها النظام الجمهوري المدني، وشكل الحكم، خصوصا بعد التصريحات الخطيرة التي أدلى بها مرشح حركة النهضة لرئاسة الحكومة، والتي تطرح تساؤلات جدية حول ازدواجية خطاب الطرف الذي يتمتع بأغلبية، ومرشح لقيادة البلاد.. ونحن هنا قلقون ونتساءل بجدية: هل نحن في فترة انتقالية على أساس التوافق حول مبادىء الجمهورية، أم نحن في بداية تمكّن من الحكم، وبداية التخطيط لنظام آخر مناقض تماما للنظام الجمهوري؟! لذلك سنبقى يقظين إزاء ازدواجية الخطاب التي نلحظها، وتعامل البعض مع نتائج الانتخابات، وكأنها صكّ على بياض، فيما الشعب صوّت لصالح النظام الجمهوري والديمقراطية وتحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية، والعدالة بين الفئات والجهات..