بدأت «الغمزات» و«الهمزات» للحكومة المرتقبة للسيد حمادي الجبالي.. فبعد عملية «الرجم بالغيب» التي خضعت لها طيلة الأسابيع الماضية ضمن أوركسترا ممنهجة، أطلقت عليها صفات «التغوّل» و«الديكتاتورية» و«الاستبداد»، وحتى «الانقلاب» (هكذا!).. شرعت بعض الأطراف السياسية، حتى من داخل التحالف الثلاثي، في ممارسة ضغوط جديدة على هذه الحكومة، تحت عناوين متعددة.. البعض حذّر من أن تكون «حكومة النهضة بوزراء من التكتل والمؤتمر على سبيل التزويق»، والبعض الآخر، حرص على بعث رسائل تشير، بالتلميح حينا، وبالتصريح حينا آخر، الى وجود نوع من القطيعة «في مستوى الصلاحيات» بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة، فيما تواصل بعض الأطراف «سياسة التشكيك» في الحكومة (قبل أن تتشكل) وفي رئيسها (قبل أن يعين).. لا شك أن بعض التحفظات والتساؤلات كانت مهمة، من حيث مضمونها وتوقيتها والأفق الذي تتحرك فيه، لكن الكثير مما صدر، كانت تتحكم فيه نوازع الإرباك، وهو ما سقط فيه قسم هام من المعارضة المجلسية، التي فوّتت على نفسها فرصة الظهور بمظهر المعارضة التي تمثل قوة مقترح، وبدت في نظر المواطنين والذين تابعوا أشغال المجلس التأسيسي وكأنها تحاول «إفساد» بناء جديد أفرزته أول انتخابات شفافة وديمقراطية ونزيهة، شهدتها البلاد في أكتوبر المنقضي.. بل إن هذه المعارضة، التي لعب بعضها دورا مهما في مقاومة الديكتاتورية والاستبداد بنسب متفاوتة ومثلت شوكة في حلق المخلوع، تحولت اليوم في نظر الرأي العام الى ما يشبه «الشوكة» في حلق الانتقال الديمقراطي، وهو ما تسبب في حالة امتعاض شبه واسعة في الأوساط الشعبية.. السؤال المطروح في هذا السياق هو: ما المقصود من هذه «الأوركسترا» التي تحاول اشعال فتيل من الفوضى والاضطراب الاجتماعي والأمني والسياسي في البلاد، بذريعة ممارسة دور المعارضة والرقابة و«الحذر بواسطة الضغط»، وبتعلة الحيلولة دون «عودة الاستبداد»؟ هل المعارضة بصدد معاقبة الشعب التونسي على خياره الانتخابي الحر، أم هي تقوم ب«تأديبه» حتى لا يكرر هذا السيناريو في انتخابات قادمة؟ الى متى سيصدق المرء ما يجري بين المعارضة والتحالف الثلاثي الحاكم، من «منازلة» لحماية البلاد من «الاستبداد الديني» كما يزعم البعض فيما الحكومة لم تتشكل، ولم يعلن عن فريقها الوزاري، ولم يتم الإفصاح عن برنامجها للمرحلة المقبلة، والبلاد تشهد موجة متفاقمة من الاعتصامات والاضرابات وعمليات قطع للطرقات؟ بالطبع، لسنا هنا بصدد الحديث، أو حتى التلميح الى منطق المؤامرة، حتى وإن كان البعض يشير اليها صراحة، ويتحدثون عن تفاصيل بشأنها، لكننا نتساءل حقيقة، عما إذا كان فعل المعارضة يمكن أن يصل الى هذا الحد من التناقض مع ال«ترويكا»، حتى وإن كان ذلك على حساب مبادئ وتقاليد هذه الأحزاب ذاتها؟ وهل يمكن القول أنها الدربة على الديمقراطية، أم أزمة في الفكر الديمقراطي لبعض هذه الأحزاب ومكوناتها؟ نعتقد أن عديد الأحزاب لدينا بحاجة الى «إعادة رسكلة» لفكرها ومقارباتها و«سلوكها»، عسى أن تستوعب المرحلة الجديدة، وتدرك أنها تعارض في وضع مختلف عن الحقبة الماضية، بل ولكي تقتنع قبل نفاذ صبر الناس عليها أن لها دورا أساسيا في الانتقال الديمقراطي ببلادنا، وإذا ما فشلت عملية الانتقال، فلن تكون ال«ترويكا» هي المسؤولة وحدها، بل جميع النخب والطبقة السياسية و«المعارضة المجلسية» ذاتها، لأن النجاح تصنعه المجموعة، والفشل يتسبب فيه طرف أو مجموعة قليلة.. فهل تقطع «المعارضة» مع سياسة الإرباك و«الفزاعات»، أم تكون جزءا من عملية طمأنة جدية لشعب سئم الفوضى وسياسة «الأرض المحروقة»، وهو ينزع نحو عيش كريم، لكن في مناخ آمن؟ الكرة في ملعب المعارضة.. فماذا هي فاعلة؟