- مع تعدد التهديدات لحرية التعبير والابداع وتواتر بعض الأحداث التي عكست رغبة بعض الاطراف السلفية المتشددة في محاصرة الحريات أطلق الفنانون صيحة فزع باعتبار ان التونسي ظل محافظا على بعض مساحات الحرية حتى في أحلك الفترات فما بالك بعد ثورة الكرامة والحرية التي قدم خلالها الشعب الشهداء وواجه الرصاص بالصدور العارية. وفي الوقت الذي تحقق فيه حلم سقوط الديكتاتورية وانتظار أعلى سقف من الحرية برزت فجأة ظاهرة التكفير والتهديد التي يمارسها بعض المتشددين مما يطرح أسئلة حائرة ونقاط استفهام مثيرة بشأن تداعيات هذه التجاوزات على الابداع بشكل عام واثارها السلبية في ظل محاصرة الحريات. وفي ثنايا هذا الجدل تناقضت الآراء وتباينت المواقف وازدادت الهوة اتساعا بين مبدع يتذمر من التهديدات جعلته ينظر الى الغد بتوجس كبير في ظل التكفير والاحداث التي تسجل بين الحين والآخر في مختلف جهات الجمهورية وبين سلفي متشدد يؤكد انه ضحية التضخيم الاعلامي الذي مازال موجها للاساءة والتشويه خدمة ل»اليسار». وبين هذا وذاك قد يزداد الاحتقان اكثر بما يهدد وحدة المجتمع التونسي برمته ويقود الى مشاحنات اجتماعية مرفوضة من اساسها ولا تتماشى مع أهداف الثورة التي ناضل من اجلها الجميع. تحريم الموسيقى والغناء والحقيقة ان الاحداث تواترت اذ لا يكاد يمر اسبوع دون ان تسجل احدى جهات الجمهورية بعض التجاوزات دون الحديث عن بعض التصرفات اليومية من تكفير والتي لا يمكن التوقف عندها على الاقل في هذه المساحة. وبعد حادثة قاعة «أفريكاآرت» وردود الافعال بشان قناة «نسمة» والاعتداء على مجموعة اولاد المناجم الى جانب بعض المضايقات التي تعرض لها عديد الفنانين واساتذة الموسيقى والتصوير الذين كفروهم ووجدوا انفسهم في حصار خانق. والاغرب ان الهجوم على بعض مساحات الحرية بلغ ببعض المتشددين الى حد أمر سواق التاكسيات بالقوة بخنق صوت راديو سياراتهم لانه باختصار يصدر موسيقى او اغاني وهي كلها «حرام» بالنسبة لبعض الاطراف المتشددة من التيار السلفي التي تهدد وتكفر من تشاء، رغم انه ليس هناك من هو مسؤول على إيمان الناس. رسائل خطيرة وقال الفنان الزين الصافي انه ضد أي ترهيب على المستوى الفكري او اللفظي لان الفن لا يمكن ان يتقدم في ظل وجود الخوف ومناخ غير مشجع على الابداع. وشدد على ان وزارة الثقافة هي المسؤولة على الفنانين وتوفير الظروف الملائمة للابداع مما يحتم عليها اتخاذ اجراءات حازمة للتصدي لمثل هذه التجاوزات التي قد تتسبب في قتل الابداع على حد تعبيره. واضاف قائلا «أمام محاصرة حرية التعبير سيضطر عديد الفنانين الى الابتعاد عن الانتاج لان ما أقدم عليه بعض الاطراف السلفية المتشددة هو «ميساج للفنانين باش يشدو ديارهم». ونحن لم نقم بثورة من أجل تلجيم الافواه وقتل الابداع وبالتالي فانه لا تراجع الى الوراء لان الشعب التونسي لم يناضل ويقدم الشهداء حتى نظل رهائن منازلنا ونتحرك في دارة ضيقة تعيدنا الى الوراء. لقد ثرنا على النظام الاستبدادي من اجل الكرامة والحرية ومن غير المعقول ان نخرج من ديكتاتورية لنجد انفسنا تحت ديكتاتورية أشد تحجرا وتكلسا» وبين الصافي ان التردي الذي نعيشه على المستويين السياسي والثقافي يستدعي ثورة ثقافية حقيقية خاصة بعد ان استخفت الاطراف الساسية والاحزاب بالدور الثقافي وتناسي الجميع إذ لا نجاح للثورة بمعزل عن ثورة ثقافية واقتصادية على حد تأكيده. الحوار المطلوب وذهب الممثل جعفر القاسمي الى التأكيد على ان الدور الاكبر للفنانين اليوم هو دفاعهم على فنهم باعتبار ان الفنان يؤدي رسالة تخاطب الانسانية تحتم عليه اليوم اكثر من ايّ وقت مضى الالتحام بالناس وملازمة قضايا شعبه ليقول ان المسرح أو بقية الفنون بجميع انواعها واشكالها ليست حرام كما يدعي البعض. واضاف «لقد تناقشت مع عديد السلفيين في بعض المسائل الفنية بكل هدوء وتوصلنا الى ان المسرح ليس حراما كما تريد ان تفرض علينا بعض الاطراف المتشددة، لان وراءه رسالة للمجتمع وللشعب.. وعلى المسرح اقتراح حوار، وهو يدافع علي وعليك وعلى كل الاراء وكل الحريات» وشدد محدثنا على ضرورة ان يشفع اليوم كل عرض مسرحي بنقاش بناء لان الأهم ان نستمع الى مختلف وجهات النظر دون اقصاء وهو السبيل الى الخروج من عديد المطبات التي قد تهدد القطاع المسرحي. تكوين «جبهة» في ظل التهديدات والتعدي على حرية التعبير والابداع التي تسجل بين الحين والاخر وما أفرزته من تداعيات ورسائل خطيرة نادى كل الفنانين الذين تحدثنا اليهم بضرورة توحيد صفوف الفنانين للوقوف أمام هذه المخاطر باعتبار ان السكوت عليها من شانه ان يوسع من دائرتها تدريجيا ويزيد في محاصرة حرية التعبير ويمس بالابداع. ولعل ما حير الجميع هو عدم تحرك أغلب المكونات السياسية التي تجاهلت هذه المسالة الحساسة كما ان وزارة الثقافة لم تحرك ساكنا امام عديد التجاوزات التي سجلت. ودعا جعفر القاسمي الفنانين الى التوحد تحت سقف واحد لتكوين جبهة تدافع على الفنانين في هذه الفترة الصعبة خصوصا امام تهميش واقصاء المثقفين في كل الحوارات على حد تعبيره. ومن جانبه اعتبر الفنان الزين الصافي ان التجاوزات التي تتعرض لها اليوم مختلف القطاعات الفنية تحتم على كل المنتمين الى القطاع الاسراع بتكوين جبهة تصدّ للوقوف أمام هذه التجاوزات التي بدأت تتسع دائرتها تهويل إعلامي واعتبرت عديد الاطراف السلفية ان الاتهامات التي توجه الى السلفيين لا اساس لها من الصحة ولا تتماشى مع الحقيقة وانما مردها التضخيم الاعلامي الذي تعامل مع ملف السلفيين بعيدا عن الموضوعية والحياد على حد تعبيرهم. وقال الطالب سلمان رزيق ان كاميراهات القنوات التلفزية تلتقط باستمرار السلفيين في صورة اعلامية غير منصفة حيث لا تظهر إلا أشخاصا ملتحين و»مكشبرين» لاعتبارات مكشوفة على حد وصفه. اما المقالات الصحفية فانها تصب في اتجاه واحد وهي تتراوح بين»السلفيون ضربوا ..اعتدوا أو هاجموا « بما يخدم طرفا معينا. وتابع قائلا «الاعلام بجميع مكوناته يتعامل مع السلفية وكانها ظاهرة مستحدثة بعد الثورة في الوقت الذي هو فكر قديم له قرون ولكنه ظهر فجأة بعد 14 جانفي لان الاعلام غيب الفكر السلفي على مدى العقود الماضية ولا ننسى ان بعض السلفيين كانوا إما في السجون أو يخشون التجاهر بفكرهم وكشفه. قلب الحقائق وحول التجاوزات التي وجهت الى السلفيين في عديد الاحداث التي سجلت أكد محدثنا ان اغلب هذه الاحداث ملفقة وليست موثقة بل انها مجرد تضخيم من الاعلام. واضاف قائلا «فرضا قد حصلت بعض التجاوزات فانها لا تمثل الا الاشخاص الذين قاموا بها سواء فرد او مجموعة رغم اني أؤكد هنا ان كل شخص مهما كان يمكنه ان يخطىء احيانا. وتيار السلفية «ماهوش جاي باش يحارب الناس واذا أخطأ أي فرد فانه يتحمل مسؤوليته شخصيا.. نحن لسنا دعاة عنف وحتى حادثة الاستاذة التي اسالت الكثير من الحبر فان فيها فراغات كثيرة واستغفالا لعقول الناس لان الاستاذة هي التي استفزت التلميذ لانه كان يرتدي «قميص» ولما قال لها التصوير حرام ردت عليه حرفيا «الرسول متاعكم كان يفعل في اكبر حرام» وحتى لما نظم عديد الاساتذة وقفة احتجاجية ضد هذه الاستاذة لتعديها على الرسول الكريم قلب الاعلام الحقائق ليؤكد انها وقفة مساندة للاستاذة. واعتقد ان الخطر الحقيقي مرده بعض وسائل الاعلام التي مازالت موجهة وبعيدة عن الحرفية الحقيقية. ثم انه لا نعادي حرية التعبير والابداع كما يروج لذلك بعض المنتمين للقطاعات الفنية» إساءة وتشويه ومن جانبه أوضح عبد الجواد طاهري ان التيار السلفي بريء من تهمة العنف والترهيب الفكري الذي يروج له البعض بهدف الإساءة والتشويه .وتابع قائلا «الاعلام غالبا ما قلب الحقائق وما حصل مؤخرا في دار الثقافة بالمكناسي اكبر دليل اذ تناقلت وسائل الاعلام حادثة الاعتداء على مجموعة اولاد المناجم دون ذكر التفاصيل الصحيحة بل ان رواية الاحداث التي نشرت بعيدة كليا عن الواقع، حبث تم تنظيم ندوة حول التشغيل تخللتها مداخلات من بعض المحاضرين المعروفين بانتماءاهم اليسارية المتطرفة وعوض الحديث عن التشغيل و مشاكل الجهة قام هؤ لاء المحاضرون بتحويل موضوع الندوة الى التهجم على الاسلاميين ووصفهم بالرجعيين و الظلاميين والسخرية و الاستهزاء من الحجاب و النقاب مما أثار بعض الشباب الملتزم الذين كانوا حاضرين في الندوة. و لما اشتد النقاش قام اليساريون المتطرفون الذين كانوا اكثر الحاضرين عددا باخراج الشباب الملتزم بالقوة من الندوة و تم تهديدهم بانه ستحرق منازلهم و نفيهم الى الصحراء كما فعل الامريكان مع الهنود الحمر و هو اقتراح لاحد منظريهم في التعامل مع السلفيين في تونس مما استفز الشباب ودخلوا بالقوة فدارت مواجهة بين اليساريين المتطرفين و الشباب الملتزم مما ادى الى اتلاف معدات الفرقة الحاضرة لتنشيط الندوة و ليس المقصود مهاجمة العمل الابداعي كما صورته وسائل الاعلام. و انتهت المواجهة عندما نودي لصلاة العشاء فدخل الشباب الى المسجد.. فما راعنا الا و هؤلاء اليساريون المتطرفون يقومون بالاستعانة ببعض تجار الخمور والمخدرات ومن ذوي السوابق ليعمدوا للهجوم على المسجد وانتهاك حرمته اثناء الصلاة مما أثار المصلين فخرجوا للدفاع عن المسجد و تم رشق المسجد بالحجارة مع غياب لاعوان الامن و الجيش و تدخل بعض المحايدين لاتاحة مجال للحوار و انهاء هذه الازمة. محمد صالح الربعاوي