محسن الزغلامي المعطيات والأرقام التي قدمتها - أمس لوسائل الاعلام الوطنية - نائبة رئيس اللجنة المكلفة بالنظر في مشروع ميزانية الدولة لسنة 2012 بالمجلس الوطني التأسيسي والتي حددت من خلالها بعض ملامح هذه الميزانية - قبضا وصرفا - قد تبدو أقرب في ذاتها الى "رسائل" سياسية تبعث بها - مبكرا - حكومة السيد حمادي الجبالي الى الرأي العام الوطني أكثر منها "شيئا" آخر... "رسائل" مفادها حرص هذه الحكومة على ترشيد النفقات العمومية - من جهة - واعطاء الأولوية لتحسين ظروف العيش واحداث مواطن الرزق في الجهات الداخلية المحرومة - من جهة أخرى-... وما من شك أن القرار المعلن برصد حوالي 55 مليون دينار من حجم الميزانية بعنوان تحسين ظروف العيش واحداث مواطن الرزق في الجهات الداخلية الأكثر فقرا... أو بالعدول - مثلا - عن القيام بتعديل أسعار المحروقات ( أي العدول عن الترفيع فيها ) أو بإلغاء اجراء اقتطاع 4 أيام عمل من أجور الموظفين أو كذلك قرارات التقليص من الامتيازات العينية الممنوحة للمسؤولين وكبار الموظفين ومراجعة حجم الامتيازات الأخرى الموضوعة على ذمة عائلات الوزراء وكبار موظفي الدولة مثل كميات الوقود المرصودة شهريا وتذاكر الطائرات واستعمال السيارات الادارية والوظيفية وغيرها... هي جميعها اجراءات ولئن كانت تستبطن - فعلا - "بعدا" سياسيا فإنها تبدو أيضا ذات دلالة مهمة وتؤشر - في أحد جوانبها - لرغبة حقيقية محمودة في القطع مع عقلية "رزق البيليك" في التعاطي مع المال العام واعتماد سياسات رشيدة في ادارة النفقات العمومية... على أن ما يجب التركيز عليه أكثر - في رأينا - وبعيدا عن أي توجه استخفافي "حزبي" ضيق - ربما - أو آخر دعائي سياسوي منحاز في قراءة دلالات مثل هذه المعطيات والأرقام المصرّح بها حول ملامح مشروع ميزانية الدولة لسنة 2012 هو الانتباه - خاصة - الى طبيعة الظرفية والسياق التاريخي الذي تأتي فيه ميزانية الدولة لسنة 2012 خاصة من حيث أنها أول ميزانية لأول حكومة منتخبة في مرحلة ما بعد الثورة... وهو ما يستدعي من كل مكونات المجموعة الوطنية الوعي الحاد بضرورة شد الأحزمة - من جهة - استعدادا للإقلاع نحو آفاق تنموية وسياسية أرحب وأعلى وكذلك التشمير على سواعد الجد والقطع مع كل مظاهر و"ظواهر" ارباك المشروع الحضاري الذي بشرت به ثورة 14 جانفي التاريخية... سواء كانت هذه "الظواهر" ذات صبغة احتجاجية عشوائية (اعتصامات وقطع طرق وغيرها ) أو ذات صبغة مطلبية ( اضرابات عمالية ) لا تراعي طبيعة الظرفية وحجم التحديات وقداسة الرهان الوطني المطروح علينا - تاريخيا - كتونسيين...