وضع المؤتمر 22 للاتحاد العام التونسي للشغل تحت شعار "أحبك يا شعب" اذا كان المقصود به تأكيد المركزية النقابية على وفائها لروح مؤسسها الزعيم الشهيد فرحات حشاد والتزامها الكامل والمطلق "بخطه" الوطني في العمل النقابي... فلا اعتراض - اطلاقا - على اعتبار أن هذه المقولة الشهيرة التي أطلقها حشاد ذات اجتماع شعبي والمشحونة بكم هائل من العاطفة الوطنية الجياشة والتي تكاد ترقى في درجة شيوعها وخلودها في الذاكرة الجمعية لعموم التونسيين الى مرتبة خلود وشيوع بيت أبي القاسم الشابي "اذا الشعب يوما أراد الحياة" تبقى - في المطلق - صالحة لأن تكون عنوانا لأية تظاهرة وطنية سياسية كانت أو نقابية... أما اذا كان المقصود من ذلك معنى آخر أو "شيء" آخر غير هذا... فالمسألة تصبح قابلة للنقاش - طبعا -... نقول هذا لأن في النفس شبه يقين بأن الزعيم حشاد نفسه - لو أنه لم ينل الشهادة ويرحل منذ أكثر من خمسة عقود - لكان - ربما - قد اختار اليوم للمؤتمر 22 للاتحاد شعارا آخر غير "أحبك يا شعب"... شعار قد لا يختلف كثيرا من حيث عدد الكلمات وجنسها ولكنه يختلف جذريا من حيث الاحالة والمدلول... انه شعار "أحبك يا تونس" بدل شعار "أحبك يا شعب"... أجل...فشعار "أحبك يا تونس" - واعتبارا لطبيعة التحديات المطروحة سياسيا واجتماعيا - يبدو اليوم أكثر تعبيرية وتطابقا مع أحلام وطموحات الشعب التونسي على اعتبار أن هذا الشعب الشجاع - وخاصة بعد أن فجر ثورته العظيمة - ثورة 14 جانفي التاريخية لا يبدو - اطلاقا - مستهدفا - وبأي شكل من الأشكال - لا في كرامته - مثلا - ولا في استقلالية قراره الوطني ولا في ثقافته ولا في قوته... لذلك هو لا يطلب - اليوم - "شعارات" حب وتعاطف أو براهين ولاء من أي طرف وطني بعينه - بمناسبة أو بغيرها -... ما يطلبه - أساسا - هو أن تقاسمه كل المنظمات والأطراف والقوى الوطنية مجتمعة حبه العميق لتونس - من جهة - وحرصه الكبير على انجاح ثورته العظيمة والتقدم بها باتجاه تحقيق الدولة التونسيةالجديدة المدنية والديمقراطية - من جهة أخرى. يريد من هذه الأطراف والقوى أن تكون الى جانبه منطلقات وطنية صرفة وبعيدا عن أية حسابات أو مزايدات ايديولوجية. منطلقات قد يلخصها ببلاغة وايجاز شعار "أحبك يا تونس" تماما مثلما لخص شعار "أحبك يا شعب" الذي أطلقه الشهيد حشاد - بصفته نقابيا وزعيما سياسيا - حبه لشعبه في زمن كان فيه هذا الشعب واقعا تحت بطش مطرقة الاستعمار وسندان استغلال المستعمر... زمن الجوع والجهل والفقر... ما نرجوه هو أن لا تكون قد اختلطت على قيادات المركزية النقابية - وهم يختارون لمؤتمرهم الثاني والعشرين شعار "أحبك يا شعب" - "الأشياء" والأولويات... أما اذا ما كان هذا "الاختيار" مقصودا في ذاته وينم - ربما - عن رغبة في "التدارك" والتصحيح فان التدارك والتصحيح لا يكون في هذه المرحلة تحديدا الا من خلال الانحياز لتونس ولمشروع ثورة 14 جانفي التاريخية التي فجرها الشعب التونسي الأبي وقواه الحية وليس بالشعارات المسقطة تاريخيا...