كيف يتذوق الناس الأعمال الفنية التشكيلية وكيف يشعرون إزاءها وكيف يثمنونها؟ أي آثار يتركه تذوق تلك الأعمال الفنية في أفكار الناس وفي مشاعرهم وفي حياتهم اليومية؟.. أسئلة تجيب عليها مدى حرفية الفنان واتقانه في انتاج الأشياء وفي آدائها كما ثقافته وتجربته واتساع دائرة الفن عنده لتشمل صناعة الكلام والكتابة والموسيقى والغناء والرقص والمسرح وكل آداء فني، فتكون علاقة المتلقي باللوحات التشكيلية ثرية تحمل في طياتها انفعالات وأحاسيس ذات رسالة معينة.. علاقة فريدة من نوعها يلاحظها الزائر أول أمس لفضاء صلاح الدين بسيدي بوسعيد، أين تعرض الرسامة البلجيكية ميشال بيرون Michèle Piron عشرات اللوحات من الحجم الصغير. معرض حضرته كل من صاحبة اللوحات والعديد من الرسامين التونسيين والأجانب والجمهور ولقى استحسانا كبيرا من الحاضرين. وميشال بيرون رسامة متخرجة من أكاديمية الفنون الجميلة بسان جيل- Saint Gilles تتلمذت عن جاك قايار Jean Jacques Gaillard وشانتال كوبييتي Chantal Coppieters وسجل اسمها سنة 2005 في معجم التشكيليين في بلجيكيا المجلد الثالث. أما بشأن لوحاتها التي تعرض بفضاء صلاح الدين بسيدي بوسعيد منذ مساء أول أمس فقد تضمنت علاقة جوهرية بين الجمال والوجود والفن والحياة من خلال توظيف عناصر حقيقية في أعمالها، تبني من خلالها قصصا خيالية مليئة بالايحاءات والتعبير المجازي وتنحو نحو التجريد عبر الأشكال والمواد..إذ يبدو أن هدف الرسامة البلجيكية هو انسجام الأشكال والمركبات والمزج بين الألوان، وكأنها تدعو المشاهد إلى أن يغوص في أعماق دلالة اللوحة التي تعكس مشاعرها وميولاتها الفنية. كما لاحظنا أن جل لوحاتها تجسد خصائص الحياة اليومية في المدن العتيقة بتونس ناهيك أن ميشال بيرون قضت قرابة ثلاثة عقود في تونس وأصبحت تدرك مواطن الجمال بكل أبعادها، الى درجة انك تشعر أن اللوحات لرسام تونسي وهو ما يجعل المتلقي الذي يقف أمام هذه اللوحات تغمره البهجة ويشعر براحة نفسية أمامها. الأعمال الفنية في أشكالها الصغيرة لا ينطوي جمالها على أي تصميم مما يحيل إلى عفوية صاحبتها.