تتعدّد زلاّت اللسان لرئيس الجمهورية المؤقت.. لتثير جدلا لا يهدأ، وتختلف في شأنها التأويلات و"الاجتهادات" السياسية فبين من يعتبرها عفوية وتلقائية تنمّ عن سجية الرئيس غير المتكلّفة هناك من اعتبرها تستبطن دهاء رجل دولة مغلفة بدهاء سياسي بدأ من الآن في قرع طبول حملته الانتخابية القادمة.. بين هذا وذاك شغل الدكتور المرزوقي الرأي العام المحلي وحتى الدولي بتصريحاته التي جلبت له توصيفات إعلامية مختلفة، فمن عرّاب المصالحة المغربية الجزائرية، إلى وصف أحلامه بالاتحاد المغاربي بالطوباوية المنفصلة عضويا عن الواقع المغاربي.. ومنذ دخوله قصر قرطاج كرئيس مؤقت للجمهورية تباينت الآراء حول تصريحاته التي أثارت «زوابع كلامية» في فنجان السياسة المحلية وكلنا يذكر السفور وتبعاته.. لكن تصريحات رئيس الجمهورية المؤقت في اللقاء التلفزيوني الأخير كانت تداعياتها أكثر حدّة، بحيث أثبتت تصريحات رسمية «مضادّة» أن الكثير من التفاصيل غابت عن رئيس الجمهورية وبان بالكاشف أنه غير مطلع على الكثير من الملفات العالقة وأن ما تسنّى له الاطلاع عليه لا يجيب قطعيا على الاستفهامات المطروحة.. الطائرة الرئاسية.. ملف لم يطلع عليه الرئيس ! عندما تحدّث المرزوقي عن بيع الطائرة الرئاسية في لقائه التلفزيوني لم يشكك الرأي العام في صدق نواياه، بل أن هناك من تأثّر عميقا، والسيد رئيس الجمهورية المؤقت يسهب في إبراز اجتهاداته الخاصّة لتجميع ما يتسنّى من أموال، علّها تعود بالنفع على الشعب الذي ما تزال ثمار ثورته قيد التمنّي والرجاء.. لكن بعد ساعات معدودات ينفي الحبيب المكي مدير عام الطيران المدني بوزارة النقل في لقاء إعلامي ما صرّح به الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي من أنه تمّ بيع الطائرة الرئاسية بما قدره 261 مليون دولار -ويا خيبة شعب في فرحة السويعات الماضية- وأكّد في ذات اللقاء الإعلامي أن هناك أربعة أطراف مهتمة بشراء طائرة «الارباص 340 أ» وأنه وقع تقدير قيمتها ب261 مليون دولار غير أنه من المفترض أن تباع بأكثر من ذلك، في حين قدرت قيمة «البوينغ 737» الرئاسية والتي يتنقّل فيها الرئيس الآن ب45 مليون دولار، والتي تراجع الدكتور المرزوقي عن بيعها بعد أن «نصحه» قائد الطائرة بأن ذلك فيه ضرب ل»بريستيج» وهيبة الدولة.. وحسب ما تقدّم لا مناص من طرح السؤال «الخطير» هل أن الرئيس المؤقت للجمهورية الدكتور منصف المرزوقي مطّلع بما يكفي على الكواليس الرسمية؟ وعلى بيّنة من كل الملفات سواء تلك التي تتنزّل ضمن صلاحياتها أو تلك التي تهمّ سير دواليب الدولة والتي نعتقد أنه من المفروض أن يطلع عليها حتى ولو كانت ليست ضمن صلاحياته لأن الإشراف التوافقي بين الرؤساء الثلاثة على تسيير مرفق الدولة العام لا يستدعي صلاحيات ينبغي بالضرورة التنصيص عليها قانونا.. الصحافة الجزائرية.. «لا ترحم» يبدو أن الصحافة الجزائرية تتربّص في كل آن وحين بما يتفوّه به رئيس الجمهورية المؤقت.. فهي لا تفوّت تقريبا فرصة أي تصريح رئاسي لتبني عليه فرضياتها وتضع قراءاتها خاصّة مع حضور المعطى الجزائري في الكثير من تصريحات الدكتور المرزوقي وقد كانت لزيارته الأخيرة للقطر المجاور نصيبها الكبير من الحبر الصحفي الجزائري.. وقد استفزّ رئيس الجمهورية المؤقت بعض الأقلام الجزائرية ومنها جريدة الفجر اليومية والتي وصف ما أوردته على خلفية زيارته لبلدهم بأنه «كلام فارغ» فما كان من الصحفي الذي تناول في عموده بالجريدة المذكورة زيارة المرزوقي إلاّ عن عقّب على تصريحات المرزوقي الأخيرة بمقال «الكلام المليان بين المكسي والعريان» واتهمه بأنه لم يكن مطلعا بما يكفي على الملف الجزائريالتونسي، كذلك اعتبر أن رئيس الجمهورية يسعى لتسويق وجهة النظر المغربية في ما يتعلّق بقضية الصحراء الكبرى واعتبره «يقوم بتسخين وجبة سعودية بايتة من 30 سنة» باعتبار أن الملك فهد ابن عبد العزير هو أول من دعا إلى استثناء قضية الصحراء من العلاقات الثنائية بين المغرب والجزائر.. وختم الصحفي مقاله بالقول أن قائد السبسي عندما عاد إلى تونس من الجزائر كان محمّلا ب100 مليون دولار في حين عاد المرزوقي خاوي الوفاض لأنه اشتغل على تسويق وجهة نظر المغرب في القضايا المغاربية أكثر من اجتهاده في تسويق الملف التونسيالجزائري.. نعوت مستفزة كلنا يذكر الضجة التي أحدثها خطاب الوزير الأول سابقا الباجي قائد السبسي عندما وصف بعض الأمنيين ب»القرودة» وكادت الأمور تتطوّر الى ما لا تحمد عقباه لولا روح المسؤولية التي تحلّى بها الجميع.. وأعاد رئيس الجمهورية المؤقت استعمال عبارة اعتبرها البعض مشينة ومجحفة ولا تليق بخطاب رسمي، عندما قال في ذات اللقاء التلفزيوني إن «التربة التونسية بهويتها العربية والإسلامية المعتدلة لن تقبل هذه الجراثيم، وسترفض التطرّف والتشدّد» وكردّ فعل على عبارة جراثيم خرج عشرات السلفيين بعد صلاة الجمعة الماضية يحتجون على رئيس الجمهورية واعتبروا أنفسهم معنيين بلفظ «جراثيم».. ولتفادي الأسوإ أعلنت الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية التونسية، على الفايس بوك اعتذار الدكتور المنصف المرزوقي وقالت: «يعتذر السيّد محمد المنصف المرزوقي رئيس الجمهورية عن ورود كلمة (جراثيم) في سياق حوار. ويؤكد في المقابل افتخاره واعتزازه بكلّ مكوّنات الشعب التونسي المتأصل في هويّته العربية الإسلامية والمنفتح على قيم الحداثة وحقوق الإنسان». ولئن كان الاعتذار من شيم الكبار عند الإساءة -التي تبدو غير مقصودة- فإنه في ظرف مماثل لما نعيشه ونشهده من تجاذبات فكرية ودينية، وبالنظر إلى أهمية منصب رئيس الجمهورية في وجدان أيّ شعب، كان حريّا برئيس الدولة أن يتخيّر كلماته ويكون حكيما في خطاباته لرأب أيّ تصدّع مجتمعي نحن في غنى عنه.. كما أن رئيس الدولة الذي يحظى بثقة وحبّ الشعب كما أبرزه أكثر من استطلاع للرأي، نريده أن يكون نقطة توازن في واقع متغّير وعصيب، وقد بدأت تهدّده الانقسامات، ومن الضروريّ -والحالة على ما هي عليه- أن يستعين رئيس الدولة بفريق صحفي محنّك يوفّر له المعلومة الكافية والشافية في وقتها، بالإضافة الى ضرورة العمل على التنسيق أكثر مع الحكومة، لأن كليهما يمثّل العصب الرئيسي في الدولة، وحتى لا نشهد مجدّدا ثنائية محيّرة على مستوى الخطاب الرسمي».