كعادة العروض الفنية التونسية تكون الانطلاقة متأخرة عن موعدها المقرر في بطاقات الدعوة وتذاكر الدخول والتعلة دائما الاستعدادات التقنية التي لا ندري لماذا تترك للحظات الأخيرة !؟.. في عرض ليلة السبت للكوميدي جعفر القاسمي غص المسرح البلدي برواده ومحبي فن «الوان مان شو» علما وأن تذاكر العرض نفدت قبل أيام من ليلة 25 فيفري الماضية.. هل هي شعبية جعفر القاسمي بعد نجاحه لدى النقاد والجماهير في نمط «الوان مان شو» منذ عروض تجربته الأولى «واحد منا» أما أن فقرة «دبارة اليوم» التي كان يقدمها في برنامج «التونسية تي.في» رفعت من أسهمه في مضمار الكوميديا أو ربما شوق التونسي لكل ما هو فني في بلد رغم «الثورة» تراجعت فيه العروض الثقافية !؟ عرض «التونسي.كوم» في نسخته الجديدة أدخلت عليه عديد الإضافات لتكون «خالية من السياسة»، خيار تعمده جعفر القاسمي بمعية مؤلف العمل نوفل الورتاني ومخرجه الشاب الصحبي عمر.. هو هاجس عميق لجيل ولد في سنوات البورقيبة الأخيرة وتعلم في حكم بن علي وحلم بثورة انتهت بلعبة سياسية الخاسر الأكبر فيها الوطن..الشفرات السياسية طافت بين عبارات الممثل المنفرد على الركح، فانتقد علاقة أمريكا بالخليج رافضا الزج ببلادنا في هذه المصالح الضيقة...فكانت الكوميديا السوداء وسيلة الفنان والمثقف ليعبر عن موقفه مما يحدث في تونس مؤخرا دون أن يضطر للصراع مع السياسي في نزال غير متكافئ.. في الوسائل والقيم والأهداف...
الهروب لعالم الافتراض
حافظت مسرحية «التونسي.كوم» في نسختها الجديدة على مضمونها الأساسي وهو علاقة التونسي بشبكة الأنترنيت وعالم الواب...وغوصه في الافتراضي بعيدا عن واقعه المعيش.. هروب فرضته قسوة الحياة وانكساراتها والخوف من مواجهة تعقيداتها خصوصا بالنسبة لفئة الشباب الذي يرمز عادة للمستوى الثقافي للشعوب ومدى تطورها.. مؤلف العمل عاد في نقده لأساليب التربية والنشأة والتعليم التي كان لها دور مؤثر في تكوين مجتمعنا حيث يتساءل القاسمي في بعض فقرات عرضه عن مغزى بعض ألعاب الطفولة مثل لعبة «سارق.. مفتش.. حاكم.. وجلاد» أو برامج الأطفال والصور المتحركة التي تتعامل مع الطفل من منطلق أنه كائن غبي كما طرحت المسرحية علاقة التونسي بالطبخ والفضائيات التلفزيونية وبرامج القضايا الاجتماعية... «التونسي.كوم خالية من السياسة» هي نقد لحال البلاد الاجتماعي والاقتصادي الذي أثر من وجهة نظر كاتب العمل على مشهده الثقافي والفكري فخص الكتاب بصرخة دوت معانيها على ركح المسرح البلدي حين تعالى صوت جعفر القاسمي بعبارة «أنا الكتاب يا العار.. يا العار.. أكلني الفار» وهنا تلاعب الكوميدي بدلالة الكلمات وعبر من خلالها عن عزوف التونسيين عن الكتاب بسبب سياسة البلاد من ناحية ومن ناحية أخرى لغزو الشبكة العنكبوتية لبيوتنا باعتبار أن كلمة الفأر في مرادفها الفرنسي «souris» هي أداة تربط الشخص بحاسوبه.
طغيان المؤثرات البصرية
تميزت مسرحية «التونسي.كوم خالية من السياسة» في جانبها التقني باعتماد عامل الاضاءة والمؤثرات البصرية والموسيقى الصاخبة مما أضفى جمالية وحماسا على متطلبات هذا العرض المنتمي لصنف «الوان مان شو» غير أن طغيان هذه العوامل التقنية جعلها في بعض الأحيان مجرد إبهار وتضخيم للعملية الانتاجية من طرف شركة «نوت فاوند» التي لم تثبت بعد نجاحها على مستوى التنظيم وهو الأهم على غرار عملية استقبال والتعامل مع الجمهور والاعلامين من ناحية وضيوفهم «المبجلين» من ناحية أخرى.. أما الكتابة المسرحية ل «التونسي.كوم» في نسختها الخالية من السياسة فقد أبرزت نضجا واضحا في كتابات الاعلامي نوفل الورتاني مقارنة بالنص الأول لهذه المسرحية فيما حافظ جعفر القاسمي على سرعة بديهته وعلاقته السلسة مع جمهوره كما كان وفيا لتكوينه المسرحي المحترف ولم يرتد ربطة عنق المنشط أو جلباب المسؤولين الرسميين.. فكان عملا تونسيا شهده جمهور غفير ومتنوع. ورغم نجاح هذا العرض جماهيريا إلا أن ما لفت انتباهنا هو سلوك بعض المتفرجين حيث فقد المسرح البلدي ليلة السبت بعضا من هيبته بسبب سلوكيات لم نكن نلحظها كثيرا في هذا الفضاء الثقافي فبعض الفتيات جلسن في احدى المقصورات المخصصة ل«الضيوف المبجلين» يتحدثن بأصوات عالية أثناء العرض ويتبادلن المكسرات فيما فضل أحد الحاضرين في مقصورة ثانية متابعة العرض وهو يدخن إضافة إلى مشكل استعمال الهاتف الجوال أثناء العرض وتصرفات غريبة وكأن الواحد جالس في صالون بيته.