كان لأحباء الموسيقى التونسية الأصيلة مساء الجمعة الفارط موعد مع وصلات راوحت بين الموشحات والطبوع والأغاني التراثية التي جمعت بين روائع الأشعار والأزجال أمنتها فرقة المعهد الرشيدي بقيادة الموسيقار فتحي زغندة. من خلال هذا العرض الذي دام قرابة ساعتين وحضره عدد هام من المولعين بهذا النمط الموسيقي المتفرد يشعر المستمع أنّه ثمّة تطور على مستوى أداء المجموعة الصوتية والعزف الفردي بالنسبة لبعض الطلبة. وهو أمر يُحسب للهيئة المديرة وللمشرفين الفنّيين لأنّه ليس بالأمر الهيّن أن تحافظ على المالوف وتسعى إلى نشره وتعليمه مع العمل على إحداث أنماط موسيقية جديدة -والمعهد الرشيدي بصدد استرجاع أنفاسه جراء الأحداث التي وقعت عقب تنحي زياد غرسة من هذه المؤسسة العريقة-.
تناغم بين الجمهور ومحتوى العرض
استهل العرض ببشرف سماعي رمل ماية من التراث «أداء موسيقي».. ألحان وأزجال وموشّحات تغمرك بسحر كلماتها المقتضبة وتدغدغ مشاعرك حد النشوة ما أدى الى تفاعل أحد المستمعين هاتفا «الله الله هكا نحبوها الرشيدية». ليفسح المجال بعد البشرف السماعي الى المجموعة الصوتية التي أدت نوبة رمل الماية ثم فوندو «ياخيل سالم» لخميس ترنان، تفاعل معها الجمهور أيما تفاعل بل ردّد معها جل القطع الموسيقية كلمة ولحنا وتابع الايقاعات من خلال التصفيق المتواصل. واستمر التفاعل مع المطربة الشابة إقبال التي لاقت استحسان الحاضرين إثر أدائها لأغنيتي «محال كلمة آه» و«يا لايمي يزيني» فعزف فردي على آلة الكمنجة للحبيب التركي لأغنية «يا دار الحبايب» (رضا القلعي) حيث أصبغها نفسا موسيقيا خاصا كان سببا في مقاطعته من الجمهور أكثر من مرة تفاعلا مع انتقاله من مقام الى آخر وتوظيفه الى «سولووات» ثرية ومتميزة. وتأكيدا على إعادة هيكلة الفرقة وتشبيبها اعتلت الفنانة الشابة منجية الصفاقسي الركح بعد الحبيب التركي وأدت أغنية «يا طير» بصوت يذكرنا بعمالقة الفن التونسي الأصيل على مستوى الحضور والآداء وهو ما ينبّئ لها بمستقبل موسيقي زاهر. القسم الأخير من الحفل كان للمجموعة الصوتية من خلال أغنية «ليّعتني بشد الهوى يا دوجة» ثم وصلة في المحيّر عراق «حرّمت بيك نعاسي» الى «دير المدام في الكاس» ف«الكون إلى جمالكم مشتاق».. اختتام كان في غاية الروعة عكس المردود المتميّز لأبناء المعهد الرشيدي وثلة من الموسيقيين ذوي الخبرة ليكون التقاء الأجيال خير سند لإعادة هيكلة الرشيدية وتبني مناهج عمل تضمن المحافظة على التراث والهوية التونسية وتضفي على هذا المجال روح المعاصرة في الآن نفسه. تجدر الإشارة إلى أن العرض شهد غياب كل من الفنان حسن الدهماني وعازف الكمنجة بشير السالمي رغم برمجتهما في إحياء الحفل. كما أشار فتحي زغندة ل«الصباح» أن بشير السالمي أصيب في كتفه لتتعذر مشاركته أما حسن الدهماني فهي ليست المرة الأولى ?حسب المدير الفني للمعهد الرشيدي- الذي تغيّب دون مبرّر على غرار ما حصل في مهرجان الموسيقى سابقا وتخلّف لأسباب مجهولة. سلوك بالنسبة لفتحي زغندة لا يعنيه لأن النجم الحقيقي حسب رأيه هو المجموعة الصوتية وأبناء المعهد الرشيدي.