لم تكد تمر موجة الثلوج التي تركت وراءها أضرارا بالشمال الغربي من بلادنا. حتى تلتها. كارثة جديدة تتمثل في فيضانات ضربت بقوة عدة جهات من شمالنا الغربي وتحديدا بمنطقة مجاز الباب وبوسالم.. كارثة طبيعية خلّفت وراءها خسارة تقدر بالمليارات كما أضرت بالموسم الفلاحي من كل الجوانب لمناطق تعد من أخصب الجهات ببلادنا . «الأسبوعي» حاولت عبر هذا التحقيق كسب مزيد من التفاصيل حول هذه الكارثة من خلال اللقاء بعدة أطراف لها علاقة بالميدان الفلاحي ولمعرفة حجم الخسائر التي تكبّدها الفلاح وكل من له شأن بالقطاع. تقصير غير مبرر حاتم الحمزاوي : كاتب عام الجامعة الوطنية للزراعات الكبرى باتحاد الفلاحين ذكر في بداية حديثه لنا عن واقع المنظمة التي ظلت مهمّشة ولا تقوم بالدور المنوط بعهدتها نظرا لعدم استقلاليتها رغم ما يتوفّر لديها من امكانيات فميزانية الاتحاد سنة 2010 كانت حوالي 4 مليارات و170 مليونا منها ملياران ونصف المليار متأتية من الرئاسة لتضمن سكوت الفلاح ورغم ذلك ظل نشاط المنظمة محدودا إلى أبعد الحدود وهو ما جعل الفلاح مرهقا بالديون في غياب إجراءات ثورية من طرف المنظمة التي كانت من المفروض أن تدافع عن مصالحه. سألت محدثي عن واقع القطاع اليوم بعد تعرض منطقة بوسالم ومجاز الباب الى فيضانات أتت على كل المحصول المنتظر، فأشار بالقول:« مما لا شك فيه أن بلادنا ستتأثّر سلبا من ناحية محصول الزراعات الكبرى لهذا الموسم نظرا لما حصل في أخصب المناطق. فهذه الكارثة ستجعل موسم 2012 مماثلا لموسم جفاف من ناحية المردودية فمحصول سنة 2011 بلغ 29 مليون قنطار ولك أن تتصور ما سينجر عنه إذا ما اضطرت الدولة الى الالتجاء الى الترفيع في حجم التوريد. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى لابد من الإشارة إلى أن هذه الكارثة ما كان لها أن تؤثر على الموسم الفلاحي لو تم تفادي خطورة تدفق مياه وادي مجردة وذلك منذ 2003 لتصل مياهه الى مناطق جديدة من بلادنا ولا تضيع بعد وصولها الى البحر.. اليوم لابد من الاعتراف بأن هناك تقصيرا غير مبرّر في خصوص الكميات الهائلة من الطين المتجمعة بالسدود والتي تبلغ حوالي 20% من سعتها. والتي لم يتم جهرها. هذه الكمية ساهمت في حصول ما حصل. كل هذه العوامل ساهمت في حصول أضرار جسيمة سوف يتحمّلها الفلاح إضافة للديون التي أثقلت كاهله والمطالب بإرجاعها للبنوك. صندوق لمجابهة الكوارث وفي ظل الوضع الراهن وما تكبدته المجموعة من خسائر فادحة أشار محدثنا الى ضرورة بعث صندوق لمجابهة الكوارث وإعادة النظر في خصوص التأمين الفلاحي. كما لابد من بذل مجهودات كبيرة لتطبيق الحزمة الفنية بالمناطق المهددة بالجفاف. وضرورة توفير الدعم المادي للمتضررين من الفلاحين والضغط على استعمال المواد الكيمياوية والأسمدة. وتوفير أسطول طائرات جديدة للرش (وتجديد الأسطول والترفيع في عدده) وتجنيد مجموعة من الفنيين والمهندسين الفلاحيين لتأطير الفلاحين بعد القيام بالدراسات اللازمة. التأمين الفلاحي... تعوّد الفلاحون وخصوصا الكبار منهم اعتماد التأمين على المحصول تفاديا لما قد تتعرّض له الصابة كما أن العديد من الفلاحين الذين يلتجئون للاقتراض الى ضرورة التأمين على الصابة ليضمن البنك المردودية المنتظرة. إلا أن هذا الاجراء ظل لسنوات عديدة يقتصر على التأمين «من حجر البرد» والحرائق فقط. بالنسبة للزراعات الكبرى وضدّ حجر البرد بالنسبة للأشجار المثمرة- أما المربون فإن التأمين يقتصر على الأمراض التي يمكن أن تصيب الحيوان. ولأن الكوارث الطبيعية هي أكثر من ذلك بكثير. الجراد- الجفاف -الفيضانات، ظل إقبال الفلاح على التأمين دون المأمول رغم ما توفره تعاونية التأمين الفلاحي CTAMA دفع 80% فقط مقارنة بشركات التأمين الخاصة. فالمساحات المؤمنة لم تتجاوز 5% من جملة المساحة المتضررة. وهذا يعود لتعوّد الفلاح على اقتطاع التأمين قبل جمع المحصول أي حين يتأكد من وفرته وضرورة تأمينه على الحرائق خصوصا. ورغم ذلك فمن المنتظر أن تبلغ خسارة تعاونية التأمين الفلاحي حوالي 150 مليونا أما خسارة الفلاحين فهي في حدود 41 مليارا بمنطقة مجاز الباب حوالي 2000 هكتار من الزراعات الكبرى (ڤنارية وأشجارا مثمرة). تداعيات .. وانتظارات وأمام هذه الخسائر المقدرة بالمليارات، من المنتظر أن تتأثر القدرة الشرائية للمواطن إذ ستعرف أسواقنا ارتفاعا للأسعار في جل المواد الاستهلاكية نظرا لارتباط عديد السلع بالزراعات الكبرى كما هو الشأن بالنسبة للانتاج الحيواني. كما أنه من غير المستبعد أن تتسبب هذه الفيضانات في ارتفاع عدد العاطلين عن العمل. كما سيعرف القطاع البنكي اضطرابا في مواعيد خلاص الحرفاء من الفلاحين المتضررين لهذه الأسباب وغيرها فإن أمام الحكومة ووزارة الفلاحة تحديدا عديد الاجراءات لا مفرّ من اتخاذها للتخفيف من وطأة «المصيبة» التي حلت بمناطق عديدة مرّ بها وادي مجردة وخلف خسائر بالملايين. غرسل بن عبد العفو
وزير الفلاحة ل"الأسبوعي" نسعى إلى مساعدة متضرري الفيضانات.. وعلى البنك المركزي تفهم حقيقة الأوضاع في تصريح خصّ به «الأسبوعي» اكد وزير الفلاحة السيد محمد بن سالم الذي التقيناه بالمجلس التاسيسي على هامش مشاركته في جلسة الحوار مع الحكومة ان المساحات التي تضررت من جراء الفيضانات الاخيرة قدرت ب 14200 هكتار، بين ضرر جزئي وكلي ولا تزال بعض اللجان تواصل عملها من اجل ضبط الاضرار بشكل دقيق. وعن المساعدات التي ستقدمها الدولة للمتضررين أشار بن سالم الى انه سيتم مساعدة الفلاحين الذين تضررت زراعاتهم بشكل كلي من خلال زراعات ربيعية أو صيفية بشكل يخفف اضرارهم وينقذ موسمهم الفلاحي أما الذين تضررت زراعاتهم بشكل جزئي فانه ستخصص لهم الجهات المختصة أسمدة أزوتية يتم استخدامها بواسطة الطائرات وهو الحل الافضل في مثل هذه الحالات. البنك المركزي ونقطة استفهام وعن عدم ايفاء الفلاحين بالتزامهم مع البنوك بما من شانه ان يطرح عديد الاشكاليات خصوصا بالنسبة للفلاحين الذين تضررت زراعاتهم بشكل كلي قال السيد محمد بن سالم «من جهتنا سنسعى الى مساعدتهم بالتنسيق مع البنك المركزي ونرجو ان يكون متفهما هذه المرة بعد ان رفض التجاوب معنا في مشكلة الزيت وهو ما يطرح فعلا اكثر من سؤال عن الدوافع الحقيقية لهذا الرفض» دراسة يابانية وحول الإجراءات التي يمكن اتخاذها بشان حماية مناطق الشمال الغربي من الفيضانات في المستقبل حتى لا تتكرر المأساة التي شهدتها عديد المدن وبعد الحبر الكثير الذي سال بشأن المشروع الذي لا تزال دراساته في الرفوف أجاب السيد محمد بن سالم «توجد دراسة يابانية بتمويل ياباني وتقضي بإنجاز «بيباس» حيث لا يمكن تغيير مجرى وادي مجردة كما قد يعتقد البعض وانما يتم انجاز قناة تكون «متنفسا» كلما ارتفع منسوب المياه، بما يجنب اضرار الفيضانات على بعض المدن لتعود المياه الى مجرى الوادي مثلما هو معمول به في بعض الطرق السريعة». دراسات تفصيلية وكشف بن سالم ان الوزارة مازالت بصدد البحث عن التمويلات اللازمة لهذا المشروع الضخم الذي يتطلب اعتمادات ضخمة باعتباره يشمل عديد المدن كما ان عملية جهره الى حدّ جهة الجديدة يقتضي تمويلات الى جانب بعض الوقت وهو ما سيجعل انجاز المشروع على اقساط خاصة ان بعض دراساته التفصيلية لا تزال غير جاهزة. واضاف بن سالم «مشاريع المياه لا تنجز بين عشية وضحاها لضخامتها وانما تتطلب فترة تمتد من 3 الى 4 سنوات خاصة اننا لا نملك الى حدّ اليوم التمويلات اللازمة». محمد صالح الربعاوي
قرض لتحسين جودة المياه المعالجة «الأسبوعي» تنفرد بنشر أسماء الولايات المعنيّة.. والمجالات الفلاحيّة المستهدفة وقعت وزارة الاستثمار والتعاون الدولي والديوان الوطني للتطهير مع البنك الإفريقي للتنمية اتفاقيّة قرض قيمته 32.45 مليون أورو ما يعادل 64 مليون دينار. وقال شرف الدين عبد الرحمان ممثّل البنك الإفريقي المكلّف بالملفّ الاقتصادي التونسي ل»الأسبوعي»: «لقد منح البنك الإفريقي هذا القرض للديوان الوطني للتطهير لتحسين جودة المياه المعالجة نظرا إلى أنّ تونس مهددّة بندرة المياه خلال السنوات القادمة». وعن نسبة فائدة هذا القرض، تهرّب ممثّل البنك الإفريقي للتنمية من مدّنا بالمعلومة، قائلا: «هو متغيّر، لكنّ خزينة البنك هي التي تحدّده مشيرا إلى أنّ البنك الإفريقي سيراعي الوضعيّة التي تمرّ بها البلاد». ويشار إلى أنّ الجهات الرسميّة أعلنت أنّ نسبة الفائدة في حدود 2%. ويشار إلى أنّ شهر سبتمبر 2031 هو آخر آجال لتسديد هذا القرض. 17 ولاية مستفيدة يهدف هذا المشروع إلى تحسين جودة المياه ب 17 ولاية تشتمل: أريانة وباجة وبن عروس وبنزرت وقابس وتونس وجندوبة والقيروان وقبلي والكاف ومدنين والمنستير ونابل وصفاقس وسليانة وسوسة وتطاوين. كما يهدف إلى تأمين ريّ 7500 هكتار من الأراضي الفلاحيّة و700 هكتار من المساحات الخضراء. وعن نوعيّة الزراعات، قال خليل عطيّة، الرئيس المدير العام للديوان الوطني للتطهير، ل «الأسبوعي»: «حسب منشور وزير الفلاحة المعمول به، فإنّنا سنعمل على تكثيف الزراعات العلفيّة والأشجار المثمرة والحبوب التي سيتمّ إنتاجها كعلف للحيوانات». و من المنتظر أن يساهم هذا المشروع في تأهيل وتهذيب 30 محطّة تطهير ومحطات الضخّ المتصلّة بها، إضافة إلى تأهيل شبكات تحويل المياه المطهرة التابعة لهذه المحطّات. ويستهدف هذا المشروع تحسين الوضع البيئي ل 3.9 مليون ساكن وتكوين 100 إطار من الديوان ومعالجة 100 مليون متر مكعب سنويّا وتحسين الصيد الساحلي بكلّ من تونس الكبرى وصفاقس وقبلي وجرجيس والحمامات. كما ستنجز أشغال لتحسين طرق الوصول وتهذيب الشبكة بحمامات الجنوبيّة وإبعاد المصبات بتطاوين ومدنين والقيروان. وتمتدّ فترة إنجاز المشروع على خمس سنوات من 2012 إلى 2016. وقد تمّ إلى حدّ الآن إعداد كراسات الشروط اللازمة للأشغال، ومن المنتظر أن يقع عرضها على لجان الصفقات المختصّة. وأفادنا الرئيس المدير العام للديوان الوطني للتطهير أنّ أشغال هذا المشروع تنطلق خلال الثلاثيّة الثالثة من السنة الحاليّة. خولة السليتي