يعرض بالقاعات التونسية منذ يوم أمس الفيلم الفرنسي الحدث "ذي أرتيست" الحائز على خمسة أوسكارات في موسمها للعام الحالي ( 2012 ) ومن بينها أوسكار أفضل آداء رجالي التي توجت بطل الفيلم "جون دي جردان" وذلك لأول مرة في تاريخ السينما الفرنسية. الفيلم يعرض مبدئيا بقاعات الكوليزي والمنار والمنزه وسط العاصمة وبقاعتي الحمراء ومدار بضاحيتي المرسىقرطاج في انتظار أن يعرض أمام أكبر عدد ممكن من الجماهير التونسية وفق ما يأمله منظمو العرض الأول ل"ذي أرتيست" الذين قدموه بالمناسبة لجمهور الإعلاميين. وإن اعتبر حصول الفيلم على خمس جوائز أوسكار من بينها جائزة أفضل فيلم وأفضل آداء رجالي وافضل اخراج نصرا مهما تحققه السينما الفرنسية في تاريخها فإن " ذي ارتيست" لم يبلغ تلال هوليود إلا وهو شبه متأكد من النصر. ولا تعود المسألة لانتفاعه من حملة دعائية ضخمة سخرت المال والعباد للغرض بعاصمة السينما العالمية فحسب وإنما لأن الفيلم حصد ما يقرب من مائة جائزة بمهرجانات عالمية هامة. وكان مهرجان كان السينمائي الدولي الذي توج "جون دي جردان" بجائزة أفضل آداء رجالي في دورته للعام المنقضي ( 2011 ) قد ساهم في تحقيق هذا النصر للفيلم. ومن أن يكون هذا الكم من الجوائز وكم المهرجانات التي نوهت بالعمل وكم المقالات والتغطيات الصحفية التي واكبت تفاصيل مشاركاته في المهرجانات سببا في جعل فيلم " ذي أرتسيت " ليس مجرد عمل سينمائي ناجح وإنما عبارة عن حدث سينمائي وفني حقيقي جعل الرقاب تلتفت إليه والفضول يكبر تجاهه. هل خيب الفيلم في نهاية الأمر الإنتظارات بعد أن تسنت لنا مشاهدته في سهرة الجمعة بقاعة الكوليزي؟ لا يمكن أن نذهب إلى حد القول بأن الفيلم مخيب للآمال. فهو فيلم جيد من حيث الآداء والصورة وهو مشحون بالعاطفة وتطيب مشاهدته. إنه يقوم على سيناريو من نوع السهل الممتنع بل تكاد تكون القصة بسيطة وهو من نوع الأفلام الكلاسيكية القديمة التي تنجح من خلال قدرة أبطالها الرئيسيين على شد الإنتباه. لكن هذا لا يمنع من أنه ربما لم يرتق إلى مستوى الأسطورة في تاريخ السينما العالمية مثل ما حاول الإعلام والدعاية تسويقه إلى الناس وهو ما يقودنا مرة أخرى إلى الإشارة إلى السينما ليست فقط مسألة أبداع وإنما القضية هي قضية تسويق وترويج بالخصوص. "جون دي جردان" ممثل وسيم وخفيف الظل وأغلب المشاهدين التونسيين يعرفونه من خلال السلسلة الهزلية "ولد وبنت" وقد أظهر إمكانيات كبيرة في الآداء في هذا الفيلم فقد كان ممثلا يتنقل بين الكوميديا والدراما بسهولة وكان راقصا جيدا وقد أظهر من الكاريزما على الشاشة ما يذكرنا بنجوم السينما الكبار بين أمريكيين وإيطاليين خاصة في العقود الثلاثة الأولى من القرن الماضي. ولكن لا تستطيع أن تجد في هذا الفيلم عناصر تدل على أنه غير أمريكي. ربما لم يسبق أن توجت هوليود ممثلا فرنسيا بجائزة افضل آداء رجالي ولكن من يتأمل شخصية "جون دي جردان" الممثل الذي ما فتئت أسهمه ترتفع في بورصة النجوم بفرنسا وبالخارج كذلك, من يتأمل شخصيته في الفيلم يدرك أنها لم تكن بالأحرى شخصية فرنسية مائة بالمائة. فالشخصية تكاد تكون أمريكية لحما ودما. حتى موضوع الفيلم فهو عبارة عن تحية إلى السينما الأمريكية في بدايات القرن العشرين عندما كانت السينما صامتة. الأحداث صورت في لوس أنجلس الأمريكية وهي تدوربالكامل في هوليود. فإذا ما نسي المتفرج هوية بطل الممثل الفرنسي جون دي جردان فإننا ببساطة لا نجد ما يدل على أن العمل الفيلم كان فرنسيا. الفيلم كان صامتا باستثناء المشهد الأخير حيث نطق "جون دي جردان" بكلمتين ( بكل ود باللغة الإنقليزية وبلكنة فرنسية ) وكان بالأبيض والأسود. تدورالأحداث حول نجم السينما الصامتة "جورج فالنتين" الذي قضى ظهور السينما الناطقة على أحلامه. الحوار نطلع عليه من خلال ما يكتب على الشاشة أما النجم المذكور فقد انتقل فجأة من قمة النجومية إلى وضع بائس وحزين. كانت بداية الفيلم سعيدة حيث شاهدنا مواقف طريفة وهزلية في بعض المشاهد. ثم رويدا رويدا بدأ الدهر ينقلب على البطل فيتحول من إنسان واثق من نفسه معتدا بذاته بشوشا وضاحكا إلى رجل حزين نسيه الجميع ومن معبود الجماهير إنتقل إلى حالة انسان نكرة. ليس هذا فحسب بل اصبح الرجل معدما فقيرا. ومن حياة القصور انتقل "جورج فالنتين" إلى حياة الأكواخ. حتى الكحول التي هرب إليها طمعا في النسيان لم يعد يملك ثمنها. تتفاقم حالته حتى أنه يفكر في وضع حد لحياته. أما حل العقدة في الفيلم على الطريقة الهيتشكوكية فيأتي عن طريق الممثلة الشابة التي كان النجم سببا في بروزها حينما كانت مجرد كومبارس. لقد كان الرجل الذي أفل نجمه قد أوشك على الهلاك حينما أطلت النجمة الصاعدة والثرية في الوقت المناسب لتنقذه. إن نجومية "جون دي جردان" لا يمكن أن تحجب قيمة الفنانة "بيرينيس يبجو " التي أدت دور النجمة "بيبي ميللر". هذه الأخيرة أظهرت من الحيوية ومن الرشاقة ما جعلها تقوم بدورها ندا للند مع شريكها في الفيلم. أظهرت بدورها قدرة كبيرة على التحول من نمط في الآداء إلى آخر. وقد استعمل البطلان أسلوب الإيماء للتعبير بقدرة عجيبة رغم أنهما ظهرا في الساحة السينمائية بعد عقود طويلة على نهاية عهد السينما الصامتة. ولعل المشهد الأخير الذي رقصا فيه البطلان رقصة الكلاكيت من بين أبرز مشاهد الفيلم والتي أضفت عليه مسحة من الجمالية والرومانسية التي يفتقدها الجمهور كثيرا في عصر ثورة التكنولوجيا والأفلام ثلاثية الأبعاد. وربما لأجل هذه الأسباب بالذات وقع الأمريكيون في "فخ" هذا العمل الذي احتفل على طريقته بفترة مهمة في تاريخ السينما الأمريكية يبدو أنها مازالت تحتفظ بسحرها.