أحدثت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بمقتضى المرسوم عدد 27 لسنة 2011، وينصّ الفصل 9 من هذا المرسوم على أنّ «رئيس الهيئة ينتخب من قبل الأعضاء» وليس العكس أي مثلما صرحّ به كمال الجندوبي، رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، في حوار لجريدة المغرب الصادرة يوم 7 أفريل الجاري، قائلا: «إذا أعيد تكليفي برئاسة الهيئة فيجب أن أختار الفريق وأن يكون لي الرأي الفصل في اختيار أعضائه، ففي الأمر مسؤوليّة ومحاسبة». على إثر هذا التصريح، اتصلّت «الأسبوعي» ببعض من أعضاء هيئة الانتخابات لرصد مواقفهم بالإضافة إلى الأستاذ سعيّد الذي تحدث عن «خبر» تعيينه على رأس هيئة الانتخابات. اعتبر زكي الرحموني عضو مكلف بالإعلاميّة والبرمجة بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات أنّ تجسيد تصريح الجندوبي على أرض الواقع «يمسّ من استقلاليّة الهيئة ويضرب الديمقراطيّة»، على حدّ تعبيره. وأضاف قائلا: «إنّ تصريح الجندوبي يعكس ثقافة جيل يخلط بين الشخصيّتين المعنويّة والماديّة، فالهيئة ليست رئيسا أو أعضاء وعلى الجميع أن يدرك أنّ المؤسسة باقية والأشخاص ماضون، لذا أرى أنّه كان من الأفضل الحديث عن رؤى إصلاح هذه المؤسسة.»
التأسيسي مصدر الشرعيّة
استمدّت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات شرعيتها من هيئة تحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي التي ترأسها عياض بن عاشور، إذ تولى أعضاء هذه الهيئة وضع المرسوم عدد 27 المنظّم لهيئة الانتخابات. وقد استمدّت هيئة الانتخابات شرعيّتها من هيئة بن عاشور، مما دفع بالبعض إلى اقتراح تعيين أعضاء هيئة الانتخابات المقبلة من قبل أعضاء المجلس الوطني التأسيسي لكونه الأكثر شرعيّة. فقد أكدّ سامي بن سلامة ، عضو لجنة الشؤون القانونية بهيئة الانتخابات أنّ نجاح الهيئة مرتبط باستقلاليّتها عن السلطة وعدم خضوعها للحكومة، «فلتكون الهيئة مستقلة، يجب ألاّ تكون معينّة من قبل الحكومة». واعتبر أنّ أيّ عمليّة تعيين في الهيئة تمثّل تراجعا عن مكاسب الثورة. في نفس الصدد، قال عمر تونكتي: «إنّ القانون هو الذي يحدّد تعيين الأعضاء و يكون إما بالانتخاب أو من قبل المجلس التأسيسي، لكني أرفض التعيينات المخالفة لهاتين الطريقتين لما فيه من ضرب للديمقراطية». واعتبر أنّ تعيين الأعضاء من قبل المجلس الوطني التأسيسي يعطي شرعيّة لهيئة الانتخابات باعتبار أنّ «المجلس يمثّل السلطة الأكثر شرعيّة بالبلاد ويمكن أن يكون مصدر قوّتهم». ويشار إلى أنّنا اتصّلنا بالعضو عبد الرحمان الهذيلي وبوبكر بن ثابت كاتب عام الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لرصد موقفهما من تصريح الجندوبي، إلا أنّهما فضلا عدم الإجابة، «لكونهما لم يطلّعا على تصريحه»، على حدّ تعبيرهما.
أسباب تأخرّ الإعلان عن الهيئة
تداول الشارع التونسي منذ فترة مسألة الإعلان عن تركيبة الهيئة التي ستشرف على الانتخابات القادمة، خاصّة أنّ الحكومة الحالية أعلنت أنّه من المنتظر إجراء الانتخابات موفّى مارس المقبل، مما يجعل تكوين هذه الهيئة أمرا محسوما ولا مفرّ منه، خاصة أمام شهادة دول العالم بنجاح العملية الانتخابية الماضية. وأمام وجود مفاوضات مستمرة ونقاشات فيما يتعلق بالهيئة، علمت «الأسبوعي» من مصدر مطلّع فضّل عدم ذكر هويّته أنّ من أسباب تأخّر الإعلان عن تركيبة الهيئة إلى حدّ اليوم هو وجود مفاوضات حول أعضاء الهيئة المركزيّة، إذ توجد أطراف من الحكومة الحالية ترفض الإبقاء على أعضاء الهيئة الآتي ذكرهم: بوبكر بن ثابت وعبد الرحمان الهذيلي وسامي بن سلامة وزكي الرحموني، مما يجعل باب النقاشات مفتوحا للحسم في هذه المسألة.
رئيس هيئة الانتخابات!؟
تناقلت العديد من المواقع الاجتماعيّة «خبر» تعيين أستاذ القانون الدستوري قيس سعيّد على رأس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات خلفا لكمال الجندوبي، «الأسبوعي» اتصلت بالأستاذ سعيّد الذي نفى ذلك قائلا: «لم يقع الاتصال بي بصفة رسميّة من أيّ جهة، ولكنّي أرفض قطعيا رئاستي للهيئة ؛ فأنا أريد تحملّ مسؤوليّتي خارج جميع الهياكل الرسميّة بما في ذلك هيئة الانتخابات، أنا أريد العمل في فضاء حرّ». هذا واعتبر البعض من متتبّعي الشأن الوطني أنّ الحديث عن وضع الأستاذ قيس سعيّد على رأس الهيئة ليس سوى بالونة اختبار للتأكّد من مدى تقبّل السياسيّين والشعب لفكرة وضع شخص آخر مخالف لكمال الجندوبي على رأس الهيئة. وأشار سعيّد في هذا الصدد إلى وجوب إعادة تنظيم الهيئة بقانون جديد داعيا إلى وجوب النأي بالتعيينات في الهيئة عن مختلف التجاذبات السياسيّة، قائلا: «من الأفضل أن يتمّ تعيين رئيس الهيئة من قبل الرؤساء الثلاثة باعتماد جملة من المقاييس أولها الحياديّة والكفاءة». فمتى تحسم الحكومة نهائيا في مسألة تاريخ الانتخابات لتباشر الهيئة نشاطها حتى لا نقع في عملية تأجيل الانتخابات مثلما حصل في انتخابات 23 أكتوبر الماضي التي كان من المزمع إجراؤها يوم 24 جويلية الماضي؟