وسط أجواء ساخنة يغلب عليها التشنج والصراخ أمر مصطفى بن جعفر كلا من أيمن الزواغي وإسكندر بوعلاقي (تيار العريضة الشعبية) بمغادرة القاعة بعد أن حذرهما في مرة أولى بأنهما قد مسا من هيبة رئاسة المجلس. كان ذلك صباح أمس خلال الجلسة العامة المخصصة للنظر في التقرير الذي أعدته لجنة شهداء وجرحى الثورة وتفعيل العفو التشريعي العام فبقدر جسامة وأهمية هذا الملف بقدر توتر الأجواء التي كانت محل تجاذبات وصراعات سياسية.. وكان الهدوء الذي خيم على بداية الجلسة بمثابة «السكون الذي يسبق العاصفة» فقد توترت الأجواء بمجرد منح الكلمة للنائب إسكندر بوعلاقي (تيار العريضة الشعبية) الذي ندد بالانتهاكات التي تعرض لها جرحى الثورة في مقر وزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية فضلا عن وصفه الحكومة بالمتسلطة ووصفها ب«حكومة الغنوشي والمرزوقي وبن جعفر» . هذا التصريح سرعان ما قاطعه نواب حركة النهضة عبر نقرهم على الطاولات معترضين على ذكر اسم رئيس حركة النهضة كفاعل في الحكومة ثم تولوا إثرها ترديد النشيد الوطني.. هذا الترديد أعقبته موجة من الصراخ والضجيج بعد أن قال إسكندر بوعلاقي: «لا أستغرب من أناس تاجروا باسم الدين أن يتاجروا اليوم بالنشيد الوطني» الأمر الذي استوجب دعوة إياد الدهماني (عن الكتلة الديمقراطية) إلى الكف من الزج بالنشيد الرسمي في خانة الصراعات السياسية ليتطور لاحقا الأمر إلى حدّ طلب رئيس المجلس من أيمن الزواغي وإسكندر بوعلاقي مغادرة القاعة بعد أن تمسك هذا الأخير بحقه في الكلمة رغم تأكيد مصطفى بن جعفر أنه منحه مجددا الكلمة وأنه تنازل عنها.. الأمر الذي استوجب مغادرة جميع أعضاء العريضة الشعبية القاعة وعدد من نواب المعارضة...
لجنة محايدة
أما فيما يتعلق بالنقاشات التي تهم مسألة شهداء وجرحى الثورة فقد انتقد النائب منجي الرحوي طريقة التعاطي مع ملف عائلات شهداء وجرحى الثورة التي أصبحت تتعرض للإهانة. وطالب بتمش واضح يضبطه المجلس التأسيسي، مبينا أن لجنة تقصّي الحقائق ولجنة شهداء وجرحى الثورة لم تتمكنا إلى الآن من ضبط القائمة النهائية لشهداء وجرحى الثورة. واقترح في هذا السياق تفعيل لجنة محايدة تتولى النظر في هذه المسألة ولا سيما أن المعطيات الأساسية لضبط القائمات متوفرة ومن الممكن الاستئناس بها. أما في ما يتعلق بعلاج جرحى الثورة فقد ذكر الرحوي انه على وزارة الصحة أن تلعب دورها في أن تتشكل لجنة تتولى النظر في هذه المسألة خاصة أن تونس تزخر بالكفاءات الطبية ومن بينها من هو قادر على أن يقدم العلاج الكافي. وفي ما يهم تفعيل العفو التشريعي العام لاحظ الرحوي أن المظالم كثيرة ومتعددة من تصفية الحركة اليوسفية إلى الانتهاكات التي مورست خلال نظام بن علي ودعا المجلس التأسيسي إلى وضع الأسس اللازمة لتفعيل قانون العفو التشريعي العام على قاعدة أن يقع إنصاف من انتهكت حقوقهم المادية والمعنوية مشيرا إلى أن أهالي الشهداء وجرحاها في انتظار قرارات حاسمة بقدر الحسم الذي انطلقت به الثورة.
حلول ترقيعية
وفي تقييمه لمردود اللجنة قال النائب عبد الرؤوف العيادي أن الحصيلة التي قدمتها اللجنة هي حصيلة هزيلة جدا إذ أن الأمر لا يعدو إلا أن يكون مجرد حلول ترقيعية في المطالبة بتنقيح فصل أو تحويل طبيعة اللجنة من لجنة متابعة إلى لجنة تحقيق حسب تعبيره. وأضاف أن القضية هي على غاية من الخطورة لأن المجتمع كافة ينشد القصاص والعدل وهو مطلب من مطالب الثورة وليس ذوي الشهداء فقط مشيرا في نفس الاتجاه إلى أن المسالة حصرت في خانة التعويضات المادية معتبرا أن العدل لا يعني التعويض المادي وإنما محاسبة المجرمين انتصارا لقيمة الحق وهو الأمر الذي لا نراه في هذه المرحلة. وتطرق العيادي في نفس السياق إلى قضية براكة الساحل منددا بأحكام هذه القضية التي وقع التعامل معها على أساس جنحة وليست جناية وأكد في هذا الجانب أن هنالك في إدارة الأمن من لا يريد التعاون مع القضاء لاعتبار انه فوق المحاسبة معتبرا أن العدالة غير قادرة على القيام بوظيفتها في ظل وجود عدّة أطراف داخل الإدارة تعيق هذه العملية.
هيئة مستقلة
واقترح النائب أحمد الخصخوصي بعث هيئة مستقلة تتكون من أعضاء من المجلس التأسيسي والسلطة التنفيذية ومكونات المجتمع المدني تتولى النظر في مسألة شهداء وجرحى الثورة حتى يتحقق التوازن والموضوعية المطلوبة. واعتبرت النائبة ربيعة الجدلاوي انه تمّ إقحام مسألة الشهداء وفقا لمنطق المحاصصة السياسية موضحة أنه كان من الأجدر أن يكون هذا الملف من أوكد اهتمامات الحكومة معبرة عن استغرابها من البطء الذي يتسم به أداء وزارة حقوق الإنسان فبعد مرور أكثر من سنة لا يزال جريح الثورة دون علاج بل إن الأمر تطور إلى حدّ نعته بعبارات مهينة تلومه على انتفاضته أيام الثورة على حدّ قولها. وشددت على ضرورة أن تضبط القائمة النهائية لجرحى وشهداء الثورة فضلا عن إدراج شهداء الحوض المنجمي ضمن القائمة النهائية. ولاحظت عدم وجود إرادة سياسية جدية في إقرار العدالة لشهداء وجرحى الثورة. تجدر الإشارة إلى أن مصطفى بن جعفر اكد في بداية الجلسة على أن العدالة الانتقالية قد اتخذت طريقها نحو رفع المظالم واستعادة الحقوق ولكن بصفة بطيئة وذلك في إطار إرساء مفهوم العدالة القائم على ثلاثية: «المساءلة محاسبة فمصالحة» مشيرا إلى أن المراد هو تفعيل محاسبة دون تشف عبر كشف الحقيقة كاملة مؤكدا أن استحقاقات شهداء وجرحى الثورة وتفعيل العفو التشريعي العام من الأولويات التي يتعهد بها المجلس التأسيسي معتبرا أن المسؤولية جسيمة والأمانة ثقيلة تجاه هذا الملف الذي لا يزال مفتوحا للجميع لتجسيم الإنصاف وإرساء ميزان العدل ورد الاعتبار ماديا ومعنويا باسم إرساء المصالحة. تجدر الإشارة إلى أن عامل الزمن وضيق هامش الوقت المخصص للنواب حظي بنقاش كبير في بداية الجلسة فقد اعتبره بعض النواب إقصاء حتى لا يتوفر المجال للخوض في الملفات الشائكة.