قدّمت القناة الفرنسية الثانية خلال هذا الأسبوع حصة جديدة من برنامج كلمات متقاطعة بحضور كلّ من فرانسوا هولاند مرشّح الحزب الاشتراكي الفرنسي للانتخابات الرئاسية الفرنسيّة (الدور الثاني) ومنافسه الرّئيس المتخلّي نيكولا ساركوزي. وفجأة وفي أوج البرنامج وبدون سابق إنذار ظهرت صورة كبيرة على شاشة التلفزيون للمفكر الإسلامي المصري المقيم بجينيف طارق رمضان. وطفق نيكولا ساركوزي وبدون أن نفهم الأسباب التي جعلته يقحم الرجل في قضية من المفروض أنه لا علاقة له بها, طفق يشتم المفكر العربي وفي غيابه في مشهد يدفعنا دفعا إلى التساؤل عن هذا الموقف المجاني والبعيد كل البعد عن احترام أخلاقيات الحوار خاصة وأن الموقف صادر عن رئيس جمهورية فرنسا. ولا يمكن أن يبرر وضع ساركوزي الصعب وخوضه انتخابات صعبة لمدة رئاسية ثانية تشير مختلف استطلاعات الرأي ببلاده أنه من الصعب أن يفوز بها اقحام طارق رمضان في القضية اقحاما وهو ونقولها للمرة الثانية لم يكن حاضرا ليدافع عن نفسه. وإن كان نيكولا ساركوزي قد تعرض بالإسم لطارق رمضان فإنه كان بالكاد يخفي نواياه التي تتجاوز شخص طارق رمضان. الرئيس الفرنسي المتخلي يعلم جيدا أن التطرق لمواضيع ذات صلة بالإسلام والهجرة وبشكل فيه الكثير من الإستهانة والتقليل من الإحترام من شأنها أن تثير اهتمام ناخبي حزب أقصى اليمين المتطرف الجبهة الشعبية بزعامة مارين لوبان الذين يبنون « نضالهم» على أفكار معادية للمهاجرين وكل ما له صلة بهم وخاصة منه الجانب الثقافي. فقد حقق اقصى اليمين المتطرف نتائج جد هامة في الدور الأول للإنتخابات الرئاسية الفرنسية حيث قاربت نسبة الأصوات التي حصل عليها 19 بالمائة مما جعل ساركوزي يستعمل مختلف الوسائل والآساليب لاستمالة ناخبي أقصى اليمين وتحويل أصواتهم إليه لعله يتمكن من قلب المعطيات والفوز بانتخابات تتوقع أغلب استطلاعات الرأي أو كلّها فشله فيها. نيكولا ساركوزي لم يعد وهو يلهث وراء الأصوات, لم يعد يجد إحراجا في استعمال وسائل أقل ما يقال عنها أنها لا أخلاقية. الغاية بالنسبة له تبرر الوسيلة حتى وإن كانت وسائله فيها مساس ليس بالمهاجرين بفرنسا لاسيما المسلمين منهم فحسب وإنما بالشعوب العربية والإسلامية التي من الصعب أن تفهم تهجّمه المجاني على واحد من المفكرين لا لشيء إلا لجذوره العربية والإسلامية. ربما لا نتفق مع طارق رمضان في مجمل أفكاره وربما لا نتبناها أصلا ولكن هذا لا يمنع من أن طارق رمضان مثقف ومفكر كبير وأستاذ جامعي يدرّس في أكبر جامعات العالم وهو محاضر جيد وله صيت دولي. كثيرون من القراء والمهتمين يتابعون ما ينشره من كتب وأبحاث وهو قبل كل ذلك إنسان جدير بالإحترام. ربما قد يقبل الجدل على مضض إذا جاء على لسان مفكر أو مثقف لا يشاطر طارق رمضان آراءه وأفكاره في غياب المعني بالأمر لكن عندما تأتي الشتيمة والإهانة على لسان رئيس دولة فرنسا المعروف عنها احترامها لحقوق الإنسان وكرامة البشر فإن الأمر يصبح غريبا ويبعث على التساؤل: إلى أي مدى يمكن أن يذهب نكيولا ساركوزي من أجل البقاء في قصر الإيليزي؟ فرانسوا هولاند مرشح الحزب الإشتراكي الفرنسي هو بدوره يسعى لاستمالة ناخبي أقصى اليمين لأن أصواتهم ستكون حاسمة في الدور الثاني للإنتخابات الفرنسية ( خلال الأحد القادم أي بعد أسبوعين من الدور الأول ) ولكن لا مقارنة مع مرشح حزب اليمينUMP. هناك على الأقل سعي كي لا تكون الأمور مفضوحة خلافا لما هو عليه الحال لدى ساركوزي.