من يدخل السّجن و أي خطأ مرتكب يُصنّف كجريمة؟ و هل من إجراءات و عقوبات بديلة للحدّ من الإكتظاظ و التّخفيف عن المؤسّسات السّجنيّة ؟ و هل من ضرورة لأخذ بعين الإعتبار التّكلفة الماديّة لإقامة السّجين الواحد؟ ثمّ أي معايير تعتمد في اختيار أعوان السّجون و الإصلاح و أيّ احترام لحقوق الإنسان و المواثيق الدّوليّة في معاملة السّجناء؟ جملة هذه التساؤلات تم تداولها بالنقاش خلال ورشة العمل التي انتظمت أول أمس بأحد النزل بضاحية قمرت حول "المعايير الدولية في التعامل مع السجناء بين التجربة الألمانية والتونسية" في إطار تنفيذ برنامج التعاون بين وزارة العدل التونسية والمؤسسة الألمانية للتعاون القانوني الدولي وهي منظمة غير حكومية تعمل في هذا المجال منذ عشرين سنة.تبدو التجربة الألمانية رائدة في النهوض بالمؤسسة السجنية بدءا بالإحصائيات مرورا بالمنظومة القانونية المنظمة للسجون التي شهدت تطورا على مدى ثلاثين سنة فأفرزت واقعا بالسجون الألمانية خُيل أثناء الحديث عنها خلال ورشة العمل بأنها " فنادق خمس نجوم لا سجون"، ففي برلين عاصمة ألمانيا الفيدرالية توجد ثمانية سجون تضم 4 ألاف و500 سجين وألفين و800 موظف، أي أن كلّ سجن يؤمه في المعدل 500 شخص، وهي بدورها مصنفة إلى سجون مفتوحة وأخرى مغلقة وهذا جانب آخر من تطور المنظومة السجنية بألمانيا. تجربة .. حلم "فالسجون دائما في حركية مستمرة فليس هناك سجون كاملة الأوصاف" على حد قول سوزان قيرلاخ نائب مدير إدارة السجون بوزارة العدل ببرلين، "فالسجون في علاقة متينة بالمجتمع وبالتطورات التي يشهدها ومن المهم التطرق إلى المشاكل المستقبلية في السجون والبحث في سبل تجاوزها، حتى أننا بألمانيا نعمل على تعديل عدة إجراءات أثبتت التجربة عدم نجاحها بعد اصلاحات بدأت منذ الخمسينات والستينان وشهدت أكثر تطورا في السبعينات بوضع أسس جديدة لنظام السجون في ألمانيا" كان باتريك شنايدر رئيس قسم شمال افريقيا والشرق الأوسط بالمؤسّسة الألمانية للتعاون القانوني الدولي قد أوضح في افتتاح ورشة عمل "نحن لسنا هنا لتقديم الدروس والمواعظ بل للإستفادة وتبادل الخبرات والتجارب والتعاون القانوني" مضيفا أنّ "المركز يعمل في الوقت الحاضر على مساعدة دول مثل تونس ومصر على إعادة هيكلة القوانين والأنظمة ذات العلاقة بالسجون باعتبار الآفاق الكبيرة الموجودة لإصلاح الأوضاع بها وهو ما يتماشى مع التوجهات الجديدة للحكومة الألمانية والإتحاد الأوروبي". ولكن في مقابل هذا القول فإن التجربة الألمانية بها من الثراء ما يمكن الإستئناس به ولو على المدى البعيد بالرغم من الفوارق الإقتصادية والقانونية بين الدولتين على جميع الأصعدة، "فحقوق السجين وأساس التعامل معه"، كما بينته سوزان فيرلاخ، " مكفولة بالدستور الألماني وهذا جاء بالممارسة على مدى ثلاثين سنة، فالسجناء لا يفقدون حقوقهم بدخولهم السجن فتبقى الحقوق متواصلة بالرغم من فقدان البعض منها ولكن الضمانات القانوينة تحفظها أكثر من ذي قبل" الحد من الإكتظاظ "هذه الرفاهية تتمثل في تقسيم السجون إلى سجون مفتوحة وأخرى مغلقة إلى جانب ضمان حقوق السجين والمعاملة الكريمة والإنسانية، فتعد السجون المفتوحة من أكثر السجون المعنية بالتأهيل وإعادة الإدماج والتي تؤم في برلين 900 شخص من جملة 4 آلاف و500، فتخول لهم القوانين المتاحة بالتواجد خارج السجن لفترة معينة خلال اليوم، حتى أنه بإمكانهم العمل وإعالة أفراد عائلتهم شريطة أن يلتزم بالنظام ولا يخالف القواعد المعمول بها، وبطبيعة الحال يرجع اختيار سجين دون آخر إلى معايير معينة نفسية وسلوكية وغيرها" وبالتالي فإن "السجون المفتوحة من المكونات الرئيسية لإصلاح المنظومة السجنية". وبالنسبة للحد من الإكتظاظ داخل السجون الألمانية فذلك لا علاقة له بتطوير القوانين وهيكلة المنظومة السجنية بدرجة أولى، وإنما جاءت كنتيجة انجاز دراسات لمحاولة الحد من التكلفة المادية للسجين الواحد بألمانيا والتي تقدر ب180 دينارا تونسيا في اليوم، إلى جانب دور العامل الديمغرافي بسبب انخفاض نسبة الولادات، إضافة إلى تقلص نسب الجرائم نتيجة تحسن الوضع الإقتصادي بألمانيا على مدى عقود وهو العنصر الأساسي الثاني. في ذات السياق قالت سوزان قيرلاخ أنه "من المهم جدّا طرح سؤال جوهري متعلق بمن يستحق الدخول إلى السجن وهل من إجراءات أخرى بديلة تعوض العقاب بالسجن" وأكدت " ببرلين هناك فلسفة كبيرة قائمة عليها إدارة السجون التي تهدف أولا إلى وضع أكبر عدد ممكن من السجناء داخل السجون المفتوحة وهنا يأتي دور الإخصائيين الإجتماعيين والنفسانيين وتمكين آخرين من السراح الشرطي بعقوبات بديلة كالعمل للصالح العام إلى جانب أن القضاة في ألمانيا يتمتعون بموقع كبير ومرموق يخول لهم دراسة الأحكام بأكثر عمق قبل إصدارها، فلهم بمحاكم الناحية غرف خاصة لتدارس الأحكام وإمكانية العفو المشروط علما وأن للسجين الحق بالمطالبة بذلك". الهيكلة والقانون في نفس الإطار تم التعرض خلال ورشة العمل إلى تنظيم الإدارة العامة للسجون والإصلاح بالنسبة للتجربة التونسية ومدى تطبيق المعايير الدولية في إختيار الأعوان والموظفين سواء بألمانيا أو تونس، فقد تطرق القائد حبيب السبوعي في مداخلته إلى مختلف التطورات التاريخية لقطاع السجون والذي شهد تغييرات على مستوى الهيكلة بدأت منذ سنة 1955 حيث كانت مجرد قسم من أقسام الوزارة الأولى لتتطور سنة 1971 إلى إدارة سجون وإصلاح لتصبح الإدارة العامة للسجون والإصلاح سنة 1991 ليتم سنة 2001 إلحاق الإدارة العامة للسجون والإصلاح بوزارة العدل وحقوق الإنسان آنذاك، وآخر الإصلاحات كانت بأمر صدر في جوان 2011 لتوسيع الهيكلة الخاصة بالإدارة العامة، وأشار حبيب السبوعي أنه "يتم حاليا إنجاز مركز للتهيئة والإفراج بجهة بوذينة بضواحي العاصمة". وبين القائد السبوعي شروط إنتداب الأعوان وجملة الإختبارات التي يخضونها لضمان حسن التعامل مع السجين وتطبيق ضوابط حقوق الإنسان داخل السجون. من جهته أوضح ماتياس بلومل مدير المؤسسة السجنية لسجن النساء ببرلين أهم شروط انتداب الأعوان والموظفين التي تعود بالنظر بدرجة أولى إلى إدارة السجن التي تحدث لجنة انتدابات متكونة من مدير السجن واخصائيين في علم الإجتماع والنفس إلى جانب كون المترشحين يخضعون إلى اختبار الذكاء واختبارات لها علاقة بالجانب الجسماني والرياضي.