يعتبر الفشل الذي مني به مجلس الأمن الدولي في اتخاذ قرار يدين العقاب الجماعي الإسرائيلي ضدّ سكّان غزّة «أمرا عاديّا»، بل كان سيعتبر مفاجأة لو تمّت إدانة قوات الاحتلال وما تقترفه يوميا من جرائم ضدّ المدنيين في القطاع. وهذا الفشل في إصدار قرار ضدّ إسرائيل ليس بجديد ولا يحمل في طياته عنصر المفاجأة لأنّ الولاياتالمتحدةالأمريكية أرادت ذلك وأفشلت كل المساعي العربية وغير العربية لاتخاذ هذا القرار بل حملت الطرف العربي هذا الفشل مثلما هو الشأن بالنسبة لعشرات القرارات الأممية السابقة المتعلقة بإسرائيل. إنّ الولاياتالمتحدةالأمريكية التي عارضت هذا القرار الذي صوّتت لفائدته الدول ال14 الأخرى الأعضاء في المجلس تؤكّد وهي الحليف القوي والوثيق للكيان الإسرائيلي أنّ فرض حصار على غزّة يندرج في إطار الدفاع عن النفس. وهذه المبرّرات الأمريكية تشكّل خلطا مقصودا بين ما هو سياسي وما هو إنساني عند فرضها شرط تضمين القرار إدانة ما سمته بالإرهاب الفلسطيني ضدّ المستوطنات الإسرائيلية في محاولة لتجريم مليون ونصف مليون ساكن في غزّة وتصوير هؤلاء الضحايا على أنّهم سبب الحصار الذي يطوّقهم. لقد برهنت الولاياتالمتحدةالأمريكية مرّة أخرى أنّها خارج الإرادة الدولية ومتعارضة معها كلّما تعلّق الأمر حتى بقرار غير ملزم ضدّ الحصار الإسرائيلي وحملة التجويع التي تمارسها حكومة أولمرت ضدّ شعب بأكمله. وهذه المكافأة لقوات الإحتلال على ما تقترفه من جرائم لا تساعد إطلاقا على تلمّس الأمن والإستقرار في المنطقة بل تنسف كلّ جهود السّلام التي أعيد إحياؤها في مؤتمر أنابوليس في الولاياتالمتحدةالأمريكية ذاتها. إنّ هذا الفشل الذي لازم مجلس الأمن حيال إسرائيل لم يمنع الآن الفلسطينيين من كسر هذا الحصار الجائر والتدفق عبر الحدود مع مصر للحصول على الدواء والغذاء والبنزين. وهذا الإنهيار في السياج الحدودي أدّى بدوره إلى إحداث ثغرة في جهود الولاياتالمتحدة الهادفة إلى تطويع إرادة الشعب الفلسطيني وابتزاز قيادته لفرض شروط إسرائيل التفاوضية. وأمام هذه التداعيات ماذا سيحمل اللّقاء المرتقب اليوم بين أبو مازن وأولمرت..؟ هل سيتناول «إطار عمل» لقضايا ما يسمّى بالوضع النهائي مثل الحدود ومصير القدس واللاجئين أم فكّ الحصار على غزّة ورفع مئات الحواجز الأمنية في الضفّة وتوفير الإحتياجات الحياتية اليومية للفلسطينيين من مياه شرب وكهرباء ودواء وغذاء وبنزين؟ إنّه من المفارقات مواصلة الجانب الإسرائيلي إصراره على استئناف مفاوضات السّلام مع الجانب الفلسطيني وكأنّ ما يجري على الأرض من تقتيل وتدمير واغتيالات وتجويع ليس له علاقة بهذا السّلام المنشود. بل أكثر من ذلك فإنّ حكومة أولمرت التي تنادي بالحوار والتفاوض قد تجد في اقتحام الفلسطينيين للحدود مع مصر ذريعة لفصل قطاع غزّة نهائيا عن الضفّة الغربية وتفرض حظرا على كلّ تواصل بين المنطقتين وتمعن في مزيد تقطيع أوصال الشعب الفلسطيني.