الممثل السوري الراحل ياسين بقوش صاحب شخصية «ياسينو» في سلسلة «صح النوم» الكوميدية التلفزيونية كان يردد بانتظام في كل حلقة من حلقات هذه السلسلة - وبلكنة شامية محبّبة - (نسبة لبلاد الشام) عبارة راجت وغدت شهيرة تقول «هذا مخّ... مو بطّيخة» في إشارة منه إلى ضرورة أن يستعمل المواطن العربي «مخّه» أي عقله الذي وهبه الله له... فقد كان - رحمه الله - في كل مرة يقع فيها في مأزق نتيجة غبائه فيسخر منه رفيقه في المسلسل «غوّار» (دريد لحام) يصوب نظراته الزائغة نحو الكاميرا ثم يقول ببلاهة... «هذا مخّ... مُو بطّيخة». حضرتني هذه العبارة وتذكرت مسلسل «صحّ النوم» الهزلي وأبطاله وأنا أتابع هذه الأيام التغطية الإخبارية التلفزية لوقائع زيارات الوفود الحكومية إلى مختلف ولايات الجمهورية ولقاءاتهم بالمواطنين وبممثلي الأحزاب السياسية وهيئات المجتمع المدني والمنظمات المهنية وما يشوبها (اللقاءات) من هرج وفوضى وعراك على مرأى ومسمع من الوفد الوزاري وأعوان الأمن والحرس والجيش... مشاهد الفوضى والعراك والتطاول على الوزراء تكرّرت تقريبا في كل الزيارات التي أدّاها المسؤولون الحكوميون خلال الأيام الماضية إلى المناطق الداخلية لعرض المشاريع التنموية المخصصة لكل ولاية... وحدها زيارة ولاية قفصة شذّت - ويا للعجب - عن هذه القاعدة ولم تشهد مظاهر فوضوية تذكر... فقد توزعت جلسة الحوار فيها التي خصصت لمناقشة حزمة المشاريع التنموية المقترحة لعموم منطقة الحوض المنجمي (249 مشروعا بقيمة 503 مليون دينار) وحضرها عدد كبير من أهالي الجهة ووجهاؤها ومثقفوها وعقلاؤها على حصتين واحدة صباحية والثانية مسائية... الحصة الصباحية خصصت للتعريف تفصيليا بأهم المشاريع التي ستنجز مستقبلا في مختلف معتمديات الولاية. أما المسائية فخصصت للتدخلات والاستفسارات وطرح التساؤلات وإبداء الآراء وتقديم الاعتراضات من قبل الأهالي... فلماذا - يا ترى - برزت زيارة الوفد الحكومي إلى قفصة كواحدة من أهدإ الزيارات في حين أن كل «الدلائل» كانت تشير إلى أنها مرشحة لأن تكون الأكثر إثارة والموعودة أكثر من غيرها بالفوضى والعنف وحتى بالإلغاء؟! المسألة «فيها واو» - على ما يبدو - وإلا ما معنى أن تمر زيارة الوفد الحكومي إلى قفصة بسلام وأن يتخلّلها حوار رصين وجاد ومسؤول حول حزمة المشاريع التنموية المقترحة؟!... أين الفوضى - إذن -... وأين الاعتصامات والاضرابات والتوتّرات ومظاهر العروشيّات المقيتة التي طالما روّجت لها وسائل الإعلام الوطنية - نعم الوطنية - على أنها «الخبز اليومي» للقفاصة؟! السؤال يبدو - فعلا - محيّرا ولا بد من إعادة طرحه: - لماذا برز لقاء قفصة الحكومي/الجماهيري كواحد من أهدإ وأنجح زيارات الوفود الحكومية إلى الولايات الداخلية في حين أن كل «الدلائل» كانت تشير إلى أنه سيكون الأكثر خطورة على الحكومة ووزرائها ومبعوثيها؟ وحدهم - على ما يبدو - جماعة الاتحاد الجهوي للشغل بقفصة وجماعة حزب العمال الشيوعي وجماعة الحزب الاشتراكي اليساري وجماعة حركة الوطنيين الديمقراطيين الذين أجمعوا على مقاطعة اللقاء ولم يحضروا جلساته مؤهلون للإجابة عن السؤال... فتحاليلهم واستنتاجاتهم مشهود لها من قبل جماعة «الوطنة 1» و«هذا مخ... مُو بطّيخة»!