هل يستند قرار وزير الثقافة مهدي مبروك غلق فضاء العبدلية بالمرسى وإحالة منظمي تظاهرة ربيع الفنون بالمرسى إلى القضاء إلى واقع أو إلى أحداث ملموسة أم إلى واقع افتراضي؟ سؤال يطرحه كل من تلقى القرار الوزاري الذي أعلن عنه الوزير بنفسه مساء أول أمس خلال لقاء إعلامي بالوزارة الأولى باستغراب أو بفضول كبير. فالقرار ستنجر عنه حتما انعكاسات على حرية الإبداع وعلى حرية التعبير ككل. كما أن معالجة القضايا الفكرية من المفروض أن تتم بالحوار والنقاش وليس بإحالتها على القضاء. فإن كان هذا حال المثقفين ونخبة البلاد كيف يكون حال البقية؟؟ وفي الحقيقة ليس من السهل على زائر المعارض التي أقيمت في إطار ربيع الفنون بالمرسى الذي انتظم فيما بين 1 جوان الجاري و10 من نفس الشهر ليس من السهل أن ينتبه إلى وجود لوحات ا تمس من المقدساتب إن لم يكن قد قام بجولة في المعرض خصيصا للمسك بهذه اللوحات في حالة تلبس مع سبق النية والإصرار. لأنه وببساطة يصعب أن تتفطن إليها في زحمة الأعمال المعروضة التي تعد بالعشرات وتتوزع على عدد كبير من فضاءات العرض وليس فقط على فضاء العبدلية بالمرسى كما هو متداول عند الكثيرين. ربيع الفنون انتظم بدعم من اتصالات تونس وتوزع على فضاءات عديدة تظاهرة ربيع الفنون بالمرسى توزعت على فضاءات العبدلية وقصر السعادة بالمرسى ومتحف سيدي بوسعيد. وبالإضافة إلى البرنامج الرسمي انتظم برنامج مواز بنفس المناسبة وشارك فيه كل من مركز بشيرة للفن بسيدي ثابت ورواق الكمان الأزرق بسيدي بوسعيد وفضاء ا آر إيفيستوب وكنفاس بسكرة ورواق الشريف بسيدي بوسعيد ورواق عمار فرحات بنفس الجهة ورواق المرسى وألف ورقة بالمرسى. وساندت اتصالات تونس التظاهرة التي أشرفت على تنظيمها مؤسسة اسرفيسادب بعد الحصول على ترخيص في الغرض منذ بداية العام. وقد يكون من المفيد الإشارة إلى أن ربيع الفنون بالمرسى الذي انتظم هذا العام في دورته العاشرة حاول انطلاقا من هذا الموسم أن يحاكي التظاهرات الكبرى على غرار المعارض الكبرى في فرنسا وألمانيا المختصة في الفن المعاصر. كما أنه فتح الأبواب أمام المشاركين من هواة ومحترفين من مختلف المشارب لتقديم اقتراحاتهم تحت شعارب فن الغد ا رغبة في أن تتحول التظاهرة إلى قبلة للفنانين بأجناسهم وأعمارهم ومدارسهم المتنوعة. ومن المهم كذلك لفت النظر إلى أن ربيع الفنون انتظم هذا العام في ظروف استثنائية. فالفنان التونسي ما فتئ يجد نفسه في مرمى النار منذ توسع نشاط الحركات السلفية في تونس وتطور أسلوبها في التحرك وعدم تردّدها في استعمال العنف في محاولة لفرض كلمتها. من هذا المنطلق يمكن القول أن بعض الاختيارات في ربيع الفنون بالمرسى لم تكن اعتباطية وكان هدفها اختبار مدى استعداد المجتمع التونسي للقبول بفكرة أنه لا توجد خطوط حمراء أمام الإبداع. وقد ضم المعرض بالخصوص أعمالا فنية ربما نتناقش في قيمتها الجمالية لكنها مستفزة للتيارات الدينية المتطرفة. بعض اللوحات كانت عنيفة بعض الشيء من بينها تلك التي تصف رجم نساء بالحجارة. هناك بعض اللوحات القبيحة إذا ما سلطنا عليها حكم الذوق والأخلاق وهي مثلا تخدش الحياء. والمبدع عادة لا يلتزم بنفس القيم ونفس الأخلاق التي يؤمن بها الآخرون والعلاقة بين الفن والأخلاق تبقى علاقة إشكالية وهي موضوع فلسفي بامتياز ومفتوحة باستمرار على النقاش والجدل. بين الفن والأخلاق لكن بعض الأطراف نجحت في إخراج القضية من سياقها ودفعت بها إلى صفحات «الفايسبوك» الموجهة وذات الأهداف المحيرة من هذه اللوحات لتلقي بقنابلها في وجه التونسيين. فحتى وإن سلمنا أن المعرض ضم لوحات بشعة وحتى فضيعة فهي لا تمس من المقدسات الدينية فمتى كان الحديث عن فعل بشري مس من المقدسات. فهل إدانة رجم النساء مسا بالمقدسات وهل أن لوحة كاريكاتورية تتخذ من حركة دينية متطرفة أو متشددة موضوعا لها مسا من المقدسات. هناك لوحات تم الإدعاء أنها موجودة في المعرض وهي من وحي الخيال أو من فعل «الفوتوشوب» وهنالك لوحات تم إيهام الناس أنها موجودة ولكنها في الحقيقة مشوهة أو ببساطة مأخوذة من أماكن أخرى. من محل لبيع الملابس الداخلية مثلا مثلما تأكد ذلك لدينا من خلال المواجهة بين العديد من المصادر الذين تحدثنا معهم في الغرض. اللوحات التي قيل أنها تمس من المقدسات وخاصة من الرسول صلى الله عليه وسلم لا أحد يستطيع التأكيد أنها كانت فعلا موجودة في المعرض وبالتالي فإن السؤال من مصلحته أن يدفع بالتونسيين إلى المواجهة ومن يكن للشعب التونسي كل هذه الكراهية حتى يزرع فيه الفتن ويدفعه للتباغض وحتى للتقاتل أو الدعوة للتصفية الجسدية. ربما لا نؤاخذ كثيرا الناس الذين تأخذهم الحمية ويهبون لنصرة الدين ومن يكره ذلك ولكن نعيب على المسؤولين السياسيين التسرع وأخذ قرارات خطيرة بدون تمحص كاف وتدقيق وقراءة العواقب. هل يمكن اليوم لبلاغ رسمي صادر من وزارة الثقافة تدين فيه ما يتداول على صفحات التواصل الاجتماعي من تهديد للفنانين ونية استهدافهم في حرمتهم البشرية والفكرية أن يخفف من حدة الأضرار؟ فتحنا الملف ووسّعنا النقاش واستطلعنا آراء أهل الثقافة.