سواء ثبت فوز الليبراليين في الانتخابات التشريعية الليبية بنسبة عريضة كما أشارت إلى ذلك التقارير الأولية أو أنهم يكونون فقط قد حققوا نتائج «جيدة» أمام منافسيهم من الاسلاميين والسلفيين.. فإن «المفاجأة الليبية» تكون في الحالتين قد حصلت اعتبارا على الأقل لما بدا أنه «هيمنة» كاملة لتيارات اسلامية على الساحة السياسية في ليبيا على امتداد الأشهر التي تلت سقوط نظام القذافي... و الواقع أنّ هذه «المفاجأة» لتزداد بروزا و وضوحا عندما يتّضح أن قائمات «تحالف القوى الوطنية» الليبرالي الفائز الذي يضم أكثر من 40 حزبا صغيرا يتزعمه رئيس الوزراء السابق محمود جبريل بالذات الذي يعد في قائمة الشخصيات السياسية الليبية الوافدة التي وقع «استبعادها» إن لم نقل فسخها من المشهد الليبي بمجرد انتصار الثورة وسقوط نظام القذافي.. على أن السؤال الذي يبقى قائما هو ذاك الذي يقول: كيف حصلت هذه «المفاجأة» ولماذا انتصر الليبراليون في الانتخابات الليبية؟ هناك أكثر من تفسير في الواقع .. صحيح أن صفة «محافظ» التي تطلق غالبا على المجتمع الليبي والتي تعني هيمنة الدين على مختلف أوجه الحياة في هذا المجتمع كانت ترجح أن يفوز الاسلاميون بل وربما السلفيون في الانتخابات الليبية.. ولكن لا يجب أن ننسى بالمقابل أن الشعب الليبي الذي ظل يرزح على امتداد أكثر من أربعة عقود تحت نير حكم متخلف يدّعي من بين ما يدّعي أن «القرآن شريعة المجتمع» بحسب ما جاء في «الكتاب الأخضر» كان يشاهد بأم عينه كل أنواع الانحرافات والجرائم التي كانت ترتكب في حق الوطن والمواطن الليبي وأسرته باسم الاسلام والشريعة تارة وباسم الثورية تارة أخرى... أيضا،،، نفس هذا الشعب الليبي كان على امتداد أربعة عقود كاملة يرقب بعيون مفتوحة تجربة مدنية ليبرالية في الحكم والسياسة كان يقودها في الجارة تونس الزعيم بورقيبة.. تجربة بما فيها من سلبيات أحيانا ظلت تمثل ربما نموذجا يتمنى المواطن الليبي أن يراه مطبقا في بلده في يوم من الأيام.. طبعا،،، لا نريد أن نستبق الأحداث.. وفي انتظار أن تعلن «المفوضية العليا للانتخابات» عن النتائج الرسمية والنهائية فانه يبقى مطلوبا من كل الأطراف في ليبيا أن تحافظ على فضائل ومكتسبات هذه التجربة الديمقراطية غير المسبوقة في تاريخ ليبيا المعاصر.. مطلوب من كل الليبيين بمختلف تياراتهم السياسية والايديولوجية والعقائدية أن يسيروا قدما بليبيا الجديدة.. ليبيا ما بعد ظلمات حكم القذافي نحو مرافئ الدولة المدنية التعددية التي تكون فيها للشعب الليبي واختياراته الكلمة الفصل بعيدا عن أية نزعة تعصب قبلي أو عقائدي..