| إحداث وزارة حقوق الإنسان و العدالة الإنتقالية خطأ كبير على الرغم من القراءات النقدية المتتالية للذاكرة الوطنية بمختلف أبعادها كآلية من آليات العدالة الانتقالية وبناء الدولة الديمقراطية إلا أنّ عديد المختصين والمؤرخين لاحظوا وجود تقاعس في تصحيح الذاكرة الوطنية وكشف الحقائق قبل التحول الى المصالحة لأنه لا يمكن البناء على خراب فيما يرى البعض الآخر ان كشف هذه الملفات سيساعد على اندمال جروح خلفها المسؤولون عن التعذيب والبوليس السياسي. واجابة عن سؤال "الصباح" بخصوص مدى حقيقة الراي القائل بوجود تقصير او تأخير في حفظ الذاكرة الوطنية وكشف عديد الملفات قبل التأسيس لعدالة انتقالية بينّ المؤرخ والجامعي عميرة علية الصغير انه "في حال عدم فتح الملفات المقترنة بتاريخ تونس في أبعاده السياسية أو الأمنية أو القضائية أو الاقتصادية أو في تاريخ الحركة الوطنية وخاصة في فترة تكوين الدولة فان في هذه الحال لا يمكن بناء نظام جديد ديمقراطي ومتخلص من رواسب الماضي وسلبياته والقطع مع نظام الاستبداد ولا يمكن الوصول الى ذلك دون الاطلاع ومعرفة حقيقة الفساد بأبعاده السياسية والمالية وفي بعده الأمني والبوليسي." وقال:"هناك أطراف اليوم من مصلحتها عدم كشف الحقائق المتعلقة بالوطن ومن كشف الذاكرة بأبعادها المختلفة وهم الذين استفادوا من الفساد الذي كان ولازال سائدا الى اليوم على الرغم من ان المصالحة الوطنية تتطلب اعترافا ممن أجرموا في حق الوطن بجرائمهم ومحاسبتهم لتأتي في مرحلة موالية المصالحة". واعتبر الصغير انّ "من له رغبة حقيقة وإرادة سياسية في الإصلاح والتحول بالوطن من واقع ما قبل 14 جانفي الى واقع جديد لا يمكن أن يكون إلا بفتح الأرشيف". وانتقد المؤرخ طريقة تعامل الحكومة المؤقتة مع ملفات الذاكرة الوطنية وحفظها من خلال تصحيحها قبل كل شيء واعتبرها "مواصلة لمسيرة النظام السابق". كشف الحقائق ولم يذهب المؤرخ والجامعي خالد عبيد بعيدا عن ما افاد به المتحدث الأول في موضوع فتح ملفات الذاكرة الوطنية وكشف الحقائق الخفية حتى لا يكون لذلك تأثير سلبي على الاستقرار السياسي والاجتماعي للبلاد. كما دعا عبيد الى فتح ملف الذاكرة الوطنية بطريقة علمية ومنهجية ووفقا للمعايير الدولية حتى نضمن ان لا يكون لذلك انعكاسات سلبية على الاستقرار العام للبلاد. وقال: "انّ من خلال كشف الحقائق سيتم تحديد المسؤوليات وعندها ننتقل الى مرحلة المحاسبة وفقا لآليات العدالة الانتقالية وخلافا لذلك ستكون هذه المسألة خاضعة لمزايدات سياسية من هذا الطرف او ذاك". من جانبه رأى مصطفى التليلي استاذ التاريخ الحديث بجامع تونس انّ الذاكرة الوطنية لا تفتح بقرار سياسي رغم تعالي الاصوات في الفترة الاخيرة التي تنادي باعادة كتابة تاريخ البلاد. واعتبر التليلي ان "كتابة التاريخ الخاضعة لحسابات سياسية مسبقة ليس بالتاريخ بل هو يعكس مصالح سياسي. كما اكد ان "التعامل مع كشف المظالم والفضاعات التي ارتكبت منذ الاستقلال الى اليوم يجب ان لا يكون شأن اي طرف سياسي على عكس ما يلاحظ وهو سعي اطراف سياسية لتوظيف محتوى بعض الملفات من اجل تكبيل اطراف معينة والتخفيف عن اطراف اخرى لانّ المصلحة السياسية تقتضي ذلك." الوزارة.. خطأ واشار التليلي الى "ان من الاخطاء المرتكبة بعد الانتخابات هو تخصيص وزارة للعدالة الانتقالية في حين كان من الاجدر احداث لجنة مستقلة هدفها مصالحة البلاد مع تاريخها بايجابياته وسلبياته في حين يبقى دور الوزارة مقتصرا على العمل اللوجستي". ورغم اختلاف الرويات الا ان مطلب تحقيق العدالة الانتقالية المطلب الشعبي الذي رافق الثورة التونسية ولازال قائما ولا يمكن أن يتحقق إلا من خلال مراجعة تصحيحية للذاكرة الوطنية لكن ما يثير الريبة والشك هو تقاعس كل من له مصلحة في عدم كشف الحقائق المتعلقة بتاريخ هذا الوطن ومن كشف الذاكرة في أبعادها المختلفة وهو ما من شأنه ان يعطّل مسار العدالة الانتقالية وبناء الدولة الديمقراطية المنشودة. مع العلم انّ البحث في الذاكرة الوطنية وطريقة حفظها والاطلاع على الارشيف يبقى امرا صعبا ويتطلب من الجهد الكثير الا انّ هذا يبقى الحلّ الامثل لتندمل جروح لا زالت تنزف.