لئن اكتفى بعض أهل الثقافة والفكر والفنون بالتوجه إلى سلطة الإشراف بضرورة التحرك الجدي لحماية المبدع وحفظ حقوقه في الحرية والإبداع التي كانت عنصرا أساسيا في قيام الثورة التي عصفت يوم 14 جانفي بنظام ديكتاتوري وقمعي، فإن المخرج السينمائي هشام بن عمار اختار أن ينتهج مسلكا مغايرا استحسنه عدد كبير ممن بلغهم صداه ولقي دعما من المجتمع المدني ويتمثل في ضبط برنامج بيداغوجي تربوي يراهن على الترويج لثقافة المواطنة من خلال الصورة والسمعي البصري والأفلام الوثائقية مثلما أكد ذلك هذا المخرج الذي يعد من بين المخرجين المختصين في الوثائقيات على أصعدة وطنية وعالمية. وبيّن في ذات الإطار أنه مصر على مواصلة هذا المشروع الثقافي الذي تبناه كمواطن ومبدع تونسي يطمح للتغيير وللتأسيس لعلاقة وثيقة بين الفن السابع والمتلقي التونسي من مختلف الشرائح الاجتماعية والعمرية وذلك من خلال برنامج يفسح المجال لمشاهدة الأفلام يتنقل داخل الجمهورية في الجهات والمناطق التي لا تصلها السينما. وأكد أنه منذ الانطلاق في تنظيم القوافل الثقافية خلال أفريل 2011 إلى حد الآن توقف فريق البرنامج الذي يتكون من مجموعة من السينمائيين الشبان في 14 محطة كانت في شكل تظاهرات ثقافية تتمحور كل واحدة منها حول موضوع أو مسألة معينة مما جعل المشروع يتطور ويتجدد عبر مختلف مراحل ومحطات تواصله. ومن المناطق التي توقف عندها هذا المشروع الفوار بقبلي ومنزل بوزلفة وقليبية بنابل وغيرها من المناطق الأخرى التابعة لولايات بنزرت والكاف نابل في انتظار أن يزور أكبر عدد ممكن من الجهات المحرومة داخل الجمهورية مثلما أكد ذلك صاحب هذا المشروع. وعلل هشام بن عمار سبب تمسكه بهذا المشروع الثقافي ليقينه بجدوى البيداغوجيا الثقافية في إحداث التوازن المطلوب داخل المجتمعات لاسيما في هذه الفترة الانتقالية التي تحول فيها الشأن الثقافي إلى محل تجاذب سياسي واجتماعي. كما اعتبر التجاوب السريع والإيجابي مع هذا البرنامج الثقافي في أبعاده التربوية فضلا عن إصرار المجموعة الشابة، التي تضم كل من إيناس الشريف وماهر زيتوني وأنيس التونسي وحلمي حسني ،في تعلقها بالبرنامج على تحدي كل الصعوبات والعراقيل وإيصال الشاشة الكبيرة إلى أبناء الجهات المحرومة لتكون من العوامل التي جعلت منه مشروعا حضاريا باركته عديد الجهات بما في ذلك السينمائيين والمثقفين الذين طالبوا من سلطة الإشراف مثلما ما أفاد بذلك أن تدعم هذا المشروع. سينما الواقع والالتزام من جهة أخرى عبر هشام بن عمار عن استيائه الشديد من حالة الركود التي تعيشها الساحة الثقافية في بلادنا في هذه الفترة نظرا لما تتيحه هذه الوضعية من فراغ على جميع الأصعدة. وفسر سبب هذا الركود بأن الظروف الراهنة يكتنفها الغموض على نحو لا يشجع على العمل إذ يقول في ذات الإطار:" أنا محتار والسؤال الذي يكبل كل مبادرة ويسبق كل خطوة للعمل هو كيف أصنع أو أحرّك الأمواج دون أن تكون هناك عاصفة هوجاء قد تجرف ما أنجزته؟ وسبب هذا التساؤل والتفكير المسبق هو أني حريص على دراسة مشاريع أعمالي من جميع النواحي قبل الدخول في تنفيذها ثم أني عادة ما أراهن على نوعية معينة من الأفلام الوثائقية." وأكد محدثنا أن رياح الثورة لم تدفعه لتغيير نوعية الأفلام الوثائقية التي يقدمها والتي تتميز بسينما الواقع والالتزام والكشف عن خفايا الواقع والنقد البناء المبني على النزاهة الفكرية والاستقلالية خاصة أنه يرى أن وسائل الأفلام الوثائقية تؤهل لاستقلالية القطاع. وعلل سبب حيرته أيضا بظهور بوادر عودة المشهد الديكتاتوري الذي يذكر بعهد بن علي الذي كبل الحريات وكل آليات الإبداع والذي تجلى بالأساس في بعض الأحداث والممارسات التي ما انفكت تلقي بظلالها على المشهد الثقافي لتتعداه وتطال الأشخاص والمجتمع. إلا أن الأخطر في الوضع الراهن حسب رأيه أنه لا يعرف الأطراف أو الجهات التي يمكن أن يواجهها ويحملها مسؤولية التنظيم والإصلاح في ظل غياب السلط الرسمية أو يبحث معها مقاييس وشروط الرقابة للمحافظة على قدر معين من النزاهة والشفافية في الرؤى والأفكار. وفيما يتعلق بسبب تأخّر عرض الفيلم الوثائقي ذي الصبغة المؤسساتية الذي أنجزه بدعم من الهيئة المستلقة للانتخابات تحت عنوان" للحديث بقية" فبيّن أنه لا يعرف الأسباب خاصة أنه أنجز فيلمين الأول "تونس تنتخب" والذي عرض في عديد المناسبات فيما أفاد أن الفيلم الثاني الذي يصور الكواليس والحركية داخل الهيئة المستقلة للانتخابات يمكن أن يتم توظيفه كمادة للتقييم أو لتكوين أعضاء الهيئة الجديدة التي ستشرف على الانتخابات القادمة. أما بالنسبة للمشاريع الجديدة فعبر هشام بن عمار عن استعداده للقيام بأي عمل لكن شريطة ان يجد الظروف الملائمة خاصة ان المواضيع موجودة. كما كشف عن الفيلم الوثائقي الجديد الذي سينطلق في تصويره خلال الأسبوع القادم بعاصمة السباسب لتزامن هذا التوقيت مع انطلاق موسم جني الحلفاء بالسباسب ويقول في ذات الإطار :" هذا الفيلم أردته توثيقا للأدوار الكبيرة التي تقوم بها المرأة الريفية أو المرأة التي تنتمي إلى وسط اجتماعي محوج يضطرها للعمل في جني الحلفاء خاصة أن هذا العمل يعتمد على أدوات بدائية ويتم في ظروف طبيعية صعبة.