تبدو فكرة انهاء الحياة في تراثنا الإسلامي مرفوضة ومحرمة، فحكم من قتل نفسه كمن قتل غيره...وحكم من قتل نفسا كمن قتل الناس جميعا ... تلتبس المفاهيم وتسلب منا حرية التعامل مع الحدث فلا نقاضيه من جانبه القانوني في غياب المعايير الموحدة فيصير العنف تارة إرهابا وطورا يبرر بتواصل الفعل الثوري وبين هذا وذاك حكاية انفصام .... في لحظة يائسة من تاريخنا في لحظة تسليم، في لحظة فقدان الأمل من مواصلة السباق،نختار العنف، نختار الموت ... الفريسة نحن والهزبر نعيش معا في نفس الزريبة نتبادل الأدوار ... قد نهان هنا أو هناك أو نموت موتا اختياريا أو موتا مدروسا شرّعته الأفكار ... و في كل الأحوال لن تكون هناك جنازة عامة جنازة جامعة لن يكون هناك أثر "للتضحية " بل تجريب وتجريب وتراكم كما يفعل المجربون مع الفئران ... الموت عند صانعيه مجرد عنوان، رقم... وموضوع نص بيان ... فيصدر البيان تلو البيان، التنديد تلو التنديد ...التنديد ليس لروح الفقيد بل لإلحاق الخسارة بالخصم العنيد طريق يسلكه الكل، عله يفيد في تلبيس التهم وشحذ الهمم للقيام بقتل جديد فيه ضحية أخرى تنتظر ...فالكل يترصد مآسينا أو يدفع إليها ويسارع في حصولها، نحن الأدوات ..نحن مادة رخيصة للموت .. سيكون موتنا عرسا آخر جديد يتلقفه الانتهازيون للقول وللحديث باسم رفاتنا ودون أن نطلب منهم ذلك -وكيف يسمع من في القبور؟ وكيف يطلب من في القبور؟- ...صيد ثمين لرفع العقير ضد الخصم الحقير... مستخفين بفروق الدلالات، تأتي المرادفات وراء المرادفات فاعلة فعلها في التشويه والتزوير والمبالغة والحكم والتعميم ..فتنزل الاستنتاجات المريحة لأصحابها المهينة للضحية ضحية بين يدي خالقها،ضحية في موضع الحق المطلق ...فتتخذ عدة أطراف سلطة القرار وسلطة القضاء وسلطة الجزاء فتحاسب وتزن بمكيالها الأعرج وتقرر المصير بعد المصير الإلاهي العادل، فهذا شهيد وتلك جثة كلب شريد،هذا منتحر وهذا استشهادي... استثمار فاحش للغة لتكون في خدمة السياسة ... ويتواصل بكل عنف نبش الجرح في مشهد تراجيدي أبطاله لا يعون ولا يعلمون مجرد دمى تحركها الأيادي الآثمة في مشهد مسرحي مونودرامي البطل فيه ميت يلعب أدوارا متعددة في نفس الوقت ومنذ اللحظات الأولى للعرض يشتد الصراع وتتأزم الأحداث وينسج الأحياء متفرجون ومصممون ومخرجون الأحداث بكل حبكة مستعملين كل الوسائل ...فيخيل لنا أنهم يبعثون الميت من جديد ليبوح لنا بأسرار الحكاية ويخرجنا من الحيرة وينقلنا من الملل إلى المتعة..فنسمع الحكاية كما يشاؤون من بطل مأزوم أضاع خيط ارتباط الأحداث فيقدمها عشوائية مشوشة، شريدة ومشتتة في المكان، غير مرتبة في الزمان. عندما تعمى القلوب التي في الصدور فتحرك أيادي الموتى "لتكسكس" لنا بها "طبخة".. طبخة تسحرنا إلى الأبد لنذعن لها ونقدم لها الولاء آخذا منا السحر مأخذه وتنطلي علينا الحيلة فنرتد عن هذا لصالح هذا.. ونتقدم سكارى وما نحن بسكارى لنبايع المخرج بكل طواعية ونعطيه صك الحكم فينا ونزيده المناشدة الدائمة ونوقع له التفويض بالبند العريض أننا "لا حول لنا ولا قوة" وأن موتنا كان شرعيا ..هكذا يكون الموت السياسي عندنا إما جريمة اغتيال أو عملية كاميكاز . الاغتيال للاستثمار السياسي لتقزيم الخصم وإلباسه أشنع التهم ولعب دور الضحية وحشد المؤيدين لتحقيق المآرب والصعود على دموع الأمهات للوصول إلى السلطة . أما الكاميكاز فهي حركة فردية ضيقة يلعبها اللاعبون كلما أرادوا في غياب قوة الدول وبطش الجيوش يأتي هؤلاء ليمسحوا عارنا بعملية جبانة ضعيفة تقتل الأبرياء أكثر مما تضر بالأعداء عمليات تأتي ردا على إهانتنا وقتلنا بدم بارد وبأدوات متوحشة من طرف الجيوش المنظمة لإمراطوريات العصر الحديث ،زادتنا هذه العميات خبالا وعادت علينا وبالا ...في أمة ورثت لعب الكرة بالرؤوس، يتواصل فيها الرقص على الموتى... رقصة الذئاب..