وزير الشؤون الدينية: أكبر حاجة هذا الموسم عمرها 104 سنوات    مباحثات حول إعادة فتح المعبر    رئيس الجمهورية يثير مجددا ملف الشيك دون رصيد    رسميا.. شبيبة العمران يحقق الصعود للرابطة الأولى    قيس سعيّد خلال لقائه برئيس هيئة الانتخابات ...يجب احترام كل أحكام العملية الانتخابية    وفاة عامل بناء إثر سقوطه من أعلى بناية في المنستير..    الصحة العالمية تدعو للاستعداد لاحتمال تفشي وباء جديد    القيروان.. إماطة اللثام عن عملية سرقة لقطيع أغنام..    على متنها 261 حاجا: الوفد الرسمي للحجيج التونسيين يغادر في اتجاه البقاع المقدسة    قفصة: مباشرة أبحاث مع أستاذ بشبهة تسريب امتحان باكلوريا إلى مترشحين    القيروان: الاحتفاظ بعنصر إجرامي مفتش عنه    عاجل/ بطاقة ايداع بالسجن في حق رئيسة هذه البلدية..    غدا ناميبيا تونس: المنتخب الوطني يختتم التحضيرات واللقاء دون حضور الجمهور    أبو عبيدة: العدو أنقذ بعض أسراه وقتل آخرين والعملية ستشكل خطرا كبيرا على الأسرى وظروف حياتهم    ارتفاع إنتاج دجاج اللحم بنسبة 3,7 % خلال شهر ماي الفارط    وزارة الداخلية توفّر الحماية لمربي الماشية    عاجل/ نشوب حريقين بنفزة وباجة الشمالية وحالة تأهب بداية من اليوم..    اندلاع حريق بمزرعة قمح وشعير في الكاف    يوم 10 جوان.. انطلاق موسم الحصاد بمعتمديتي بلطة بوعوان و فرنانة    نقطة بيع الأضاحي بالميزان في وادي الليل و هذه التفاصيل    عاجل/ هذا ما تقرر في قضية الحطاب بن عثمان..    في هذه الجامعة : تؤدي مناسك الحج وتكلف زميلتها باجراء الامتحان بدلاً منها    وزيرة الإقتصاد تتباحث مع وفد من الشركة السعودية الصينية SABATCO فرص الإستثمار والشراكة.    تطاوين الديوانة تحبط محاولة تهريب كمية هامة من السجائر بقيمة تفوق ال1.2 مليون دينار.    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم السبت 8 جوان 2024    عمليات التوجيه الجامعي : وزير التعليم العالي يقدم هذه التوصيات    الجلسة العامة السنوية للشركة التونسية للبنك: مؤشرات مرضية و آفاق واعدة    كأس تونس للكرة الطائرة: الترجي الرياضي من أجل الفوز بالثائي .. والنجم الساحلي لإنقاذ موسمه    موعد جديد لنزال تايسون و'اليوتوبر' جيك بول    وفاة رائد الفضاء وليام أندرس في حادث تحطم طائرة    طقس: بعض الامطار المتفرقة بعد الظهر على المناطق الغربية بالشمال والوسط    بخلفية ثأرية: المنتخب الوطني في مواجهة قوية امام نظيره الناميبي    عاجل/انتشال 11 جثة مهاجر غير شرعي من البحر قبالة سواحل ليبيا    الفلبين: تحظر واردات الدواجن من أستراليا لهذه الأسباب    جندوبة تحتفل باليوم العالمي لسلامة الأغذية تحت شعار "تأهّب لغير المتوقع "    وزارة التربية توضّح مسألة تمتيع المتعاقدين بالتغطية الصحية    تداول صور فضائية لآثار قصف "انصار الله" لحاملة طائرات أمريكية    في صالون الرواق جوهرة سوسة .. معرض «مشاعر بالألوان» للفنان التشكيلي محمود عمامو    محمد كوكة أفضل ممثل في مسرحية كاليغولا بالمسرح البلدي بالعاصمة    الفنان والحرفي الطيب زيود ل«الشروق» منجزاتي الفنية... إحياء للهوية بروح التجديد    بعد 17 عاما في السجن.. رجل متهم بالاغتصاب يحصل على البراءة    علي مرابط يشيد بدور الخبرات والكفاءات التونسية في مجال أمراض القلب والشرايين    مريم بن مامي: ''المهزلة الّي صارت في دبي اتكشفت''    يوم تحسيسي حول المستجدات الدولية والوطنية في مجال مكافحة المنشطات    مسؤول بال"شيمينو": هذا موعد عودة نقل المسافرين بالقطار بين تونس والجزائر    قبلي: انطلاق فعاليات المنتدى الاقليمي حول فقر الدم الوراثي بمناطق الجنوب التونسي    تشيلسي يتعاقد مع مدافع فولهام أدارابيويو    الإعلان عن موعد عيد الاضحى.. هذه الدول التي خالفت السعودية    مناسك الحج بالترتيب...من الإحرام حتى طواف الوداع    موعد صيام يوم عرفة...وفضله    تطاوين : بدء الاستعدادات لتنظيم الدورة السابعة للمهرجان الدولي للمونودراما وإسبانيا ضيف شرف    المنتخب الوطني التونسي يصل إلى جنوب إفريقيا    اكتشاف السبب الرئيسي لمرض مزمن يصيب الملايين حول العالم    هند صبري تلفت الأنظار في النسخة العربية لمسلسل عالمي    الإعلان عن الفائزين في المسابقة الوطنية لفن السيرك    مُفتي الجمهورية : عيد الإضحى يوم الأحد 16 جوان    عاجل/ قرار قضائي بمنع حفل "تذكّر ذكرى" المبرمج الليلة    اليوم رصد هلال شهر ذي الحجة 1445    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الردع الإسرائيلي يسقط مجددا في غزة
بالبنط العريض
نشر في الصباح يوم 20 - 11 - 2012

في رائعة فان كارل كلوزفيتز "من الحرب (De la guerre)" أعطى فيها الجنرال في الجيش البروسي (Prusse) السابق استنتاجات حول مدى ضلوع الحسابات السياسية في قيام الحرب، حيث يشير الكاتب في كتابه غير المنتهي إلى أن "السياسة هي الرحم الذي تنمو فيه الحرب".
هذه الاستنتاجات تتأكد اليوم صحتها مجددا في قطاع غزة الذي يتعرض للعدوان تلو العدوان منذ الانسحاب الأحادي الذي خطط له ارييل شارون سنة 2005.
فمنذ ذلك التاريخ قرر قادة الكيان الاسرائيلي أن تكون السياسة الإسرائيلية منبنية على جعل غزة سجنا كبيرا يناور من خلاله آخذ القرار السياسي والعسكري الإسرائيلي في محاولة لفرض أمر واقع طبيعي في أي تصعيد أو تحرك فلسطيني على الأرض (انتفاضة) أو سياسيا (أي تحرك ديبلوماسي للمطالبة بحل الدولتين وهو ما تسعى إليه السلطة الفلسطينية منذ أكثر من عام)، فالحرب إذن بالنسبة للإسرائيليين هي نتاج قرار سياسي أي أن أهدافه الميدانية يجب أن تخدم بالضرورة أهدافا سياسية معينة لأنها حسب كلوزفيتز " تولد من رحم السياسة". في مثال العدوان الحالي على غزة فإن القيادة السياسية لتل أبيب كانت تدرك أن التوازنات السياسية الدولية بدأت تميل بعض الشيء للفلسطينيين خاصة وأن الديبلوماسية الفلسطينية تمكنت من حشد أصوات أغلب أعضاء المنتظم الأممي لصالح إعطاء السلطة الفلسطينية مرتبة دولة مراقب في الأمم المتحدة.
حسابات نتنياهو السياسية وما طرحته مغامرة 2009 في عملية "الرصاص المصبوب" والتي انجر عنها زيادة ضياع نظرية الردع التي عمل عليها إرييل شارون كانت من أبرز ما دفع نتنياهو لإعلان عملية "عمود الضباب" بالتركيز خاصة على سلاح الجو في قصف غزة.
قرار يبدو أنه أتى على عجالة، دون قراءة استراتيجية لقوة المقاومة الفلسطينية التكتيكية، حيث أنه لم يراع إلا مصالحه الضيقة في الفوز في انتخابات الكنيست القادمة وضمان أكبر عدد من مقاعد "الكنيست". إن سعي نتنياهو ل"عرش الكنيست" (سمته الصحافة الإسرائيلية ب"الملك" بعد الانضمام القصير لحزب "كاديما" للائتلاف الحكومي)، هو الذي جعله مرة أخرى يضيع في ضباب غزة.
عمل نتنياهو ومن خلفه أفيغدور ليبرمان على كسب أصوات المستوطنات القريبة من قطاع غزة خاصة في بئر السبع وجنوب فلسطين المحتلة التي مازالت تتأرجح بين التحالف اليميني الديني (الليكود- إسرائيل بيتنا) والقوى ذات التوجه يسار الوسط، في وقت عاش فيه المجتمع الصهيوني تحت رزح الركود الإقتصادي في تأثر مباشرة بالأزمة المالية التي ضربت مجموعة اليورو، والتي كانت أبرز الأسباب في صعود اليسار للسلطة في البلدان الأوروبية.
حسابات نتنياهو السياسية الضيقة، كانت أول أهداف ضرب غزة، ومع ذلك فإنه عمل على أهداف سياسية دولية أخرى، أولها فك العزلة الدولية التي تسببت فيها الديبلوماسية الإسرائيلية ومواقف ليبرمان، فالواضح أن دولا لها ثقلها السياسي الدولي عملت على دعم إسرائيل من خلال اتهام المقاومة الفلسطينية بأنها كانت المتسببة في هذا العدوان بإطلاقها للصواريخ والقذائف على المستوطنات الإسرائيلية القريبة من القطاع.
في نفس النطاق، حاول نتنياهو أن يعيد الاصطفاف الدولي لصالحه من خلال البروز في صورة الضحية ل"الهجمات الإرهابية لحماس والجهاد والجبهة الشعبية"، ولكنه رغم ذلك أصيب مسعاه الديبلوماسي بفشل ذريع، فالمواقف الدولية كانت في معظمها لصالح الفلسطينيين، لعب في ذلك الإعلام دورا كبيرا، ف"الفرق واضح" بين صورة رضيع استشهد بصاروخ أطلق من طائرة "آف 16"، ومشهد الصهاينة متجمعين في الملاجئ تحت الأرض مخافة صواريخ المقاومة التي وصلت لأول مرة عند أبواب "الكنيست".
كان هذان أبرز هدفين سياسيين لنتنياهو عندما أقر ضرب غزة، ولكنه رغم ذلك، سقط في سعيه لتحقيق هدفه الإستراتيجي المعلن وهو إعادة الردع الإستراتيجي والذي كان "العقدة" التي أصابت العقيدة العسكرية الإسرائيلية منذ تأسيسها في سنة 1948، وتسببت في "انفجارات" سياسية خاصة بعد حرب لبنان 2006 ثم غزة 2009. فالإختيار على غزة كهدف لعدوان من جانب نتنياهو كان اختيارا تكتيكيا لتحقيق أهداف سياسية واستراتيجية، كان بالإمكان اختيار ضرب لبنان، لكن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية كانت تعلم جيدا أن اشعال جبهة الشمال لن تكون مضمونة بالنسبة لهم، وكانت غزة أسهل من حيث التكتيك العسكري خاصة وأن الاستخبارات الإسرائيلية كانت تقدر بأن القطاع المحاصر يمكن أن يخترق استخباريا. كذلك فإن الجبهة الجنوبية تعدّ هادئة بالمقارنة مع الجبهة الشمالية التي تتميز بصراع في سوريا واستعداد "حزب الله" لأي سيناريو يمكن أن يطرح خاصة مع السيطرة السياسية للحزب على دواليب الدولة في لبنان، لكن يبدو أن "تساهال" والمستوى السياسي الإسرائيلي لم يعرفوا أنهم تورطوا فعلا في المواجهة مع الفصائل الفلسطينية والتي وسعت الحرب وضمنت نقطة تكتيكية مهمة جدا وهي نقل ساحة الحرب، من العمق الفلسطيني إلى داخل عمق الكيان الصهيوني، ما يعني أن الإسرائيليين فشلوا في تحقيق "الردع الجديد" الذي يشكل سقوطه معضلة نفسية واستراتيجية إسرائيلية.
يقول كلوزفيتز "إن الحرب عملية حرة متحررة، هي فكر حر ومواهب عقلية أكثر منها قوانين ومبادئ ونظريات جامدة محفوظة ومعمول بها، إنها إطار حي يحتاج لفكر حي ومتجدد ومتغير حسب الزمان والمكان والظروف". وفعلا فإن هذه المقولة هي التي تتحكم في الآداء الجيد لفصائل المقاومة -رغم الكم الهائل من الدمار والخسائر البشرية- إلا أن الوصول إلى "تل أبيب وما بعد تل أبيب" من قبل صواريخ المقاومة هو الذي غير معطى تكتيكيا واضحا، جعل الإسرائيليين يفكرون فعلا في نزع سلاح المقاومة سياسيا في المفاوضات التي تشهدها القاهرة والتي تهدد من خلالها إسرائيل بتوسيع العدوان نحو عملية برية وهو ما يخشاه نتنياهو، الذي أراد أن يكتفي بدك البنية التحتية للمقاومة باعتماد سلاح الجو وبعمل الاستخبارات العسكرية والإستخبارات الداخلية "الشاباك". لقد تمكنت المقاومة الفلسطينية من خلال اتباع تكتيك الرد في العمق أن تعطي ثقة جديدة في الرهانات السياسية الفلسطينية، وخاصة في ما يتعلق بملف المصالحة والذي يبدو أن عنوانه سيكون إعلان "فشل العدوان الإسرائيلي" على غزة سياسيا واستراتيجيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.