يأتي الإعتراف الدولي بفلسطين دولة غير عضو في الأممالمتحدة، ليكرس واقعا جديدا على مستوى الصراع في الشرق الأوسط بين العرب والإسرائيليين. هذا الإعتراف الدولي بفلسطين كدولة قد يبدو للوهلة الأولى خطوة سياسية أكثر منها استراتيجية لكنها على الأقل خطوة مهمة كللت أكثر من 60 سنة من نضال متواصل للفلسطينيين... أصرت السلطة الفلسطينية على المضي قدما نحو تحقيقها بعد "الانتصار التكتيكي" الذي أحرزته المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، والذي شكل مرتكزا قويا لعباس عند ذهابه للأمم المتحدة. فقد كان هذا "الإنتصار التكتيكي" والذي بدل من قواعد اللعبة السياسية والإستراتيجية في الشرق الأوسط عاملا حاسما سهّل من مهمة عباس خاصة بعد التغير الكبير الذي شهدته وسائل الإعلام التي لعبت دورا مهمّا في التغطية الأخيرة لعدوان غزة، ما ساهم في تغيير موقف عديد الدول الغربية من توازن الصراع في الشرق الأوسط بين القوة الإسرائيلية وقوة الفصائل الفلسطينية المحدودة. من جهة ثانية فإن الإعتراف بالدولة بالرغم ممّا يحمله من معنى كبير وبما يشكله من ضغط ديبلوماسي على الإحتلال الإسرائيلي، لا يستطيع أن يحجب واقعا تعيشه الأراضي المحتلة في الضفة الغربية وهو واقع الإستيطان الذي بات العصا التي تضرب بها إسرائيل الأحلام الفلسطينية في الضفة. ففي الوقت الذي أعلن فيه عن الاعتراف بالدولة أعلنت فيه تل أبيب عن بناء 3000 وحدة استيطانية تربط بين أكبر مستوطنات الضفة والقدس الشرقية والتي من المنتظر أن تكون عاصمة الدولة الوليدة حسب ما كفلته القرارات الدولية. إن إسرائيل أصبحت اليوم في عزلة دولية أكثر خاصة وأن اليمين أصبح هو الذي يدير خيوط اللعبة السياسية في الكيان الصهيوني، وهو أحد أسباب السياسة التي عجّلت بعدوان غزة، بعد أن فشلت وزارة الخارجية الجلف أفيغدور ليبرمان في حملتها الدولية ضد طموحات السلطة الفلسطينية في إعلان دولة. ورغم هذا الإعتراف فإن الواقع المعاش قد لا يعكس الموجود بل إن الإسرائيليين سيسعون في أي استمرار لمسار السلام إلى فرض أمر الواقع على الطرف الفلسطيني وخاصة مراقبة الحدود المستقبلية للدولة الفلسطينية في منطقة غور الأردن على وجه الخصوص والتي تشكل إحدى أبرز النقاط التي يتمسّك بها نتنياهو، ومن ثمّة مبدأ إقرار المستوطنات في الضفة الغربية والحاقها بالكيان المحتل منذ عام 1948، وهو ما يلوح جيدا الآن. ولعل هذا التموقع السياسي الجديد الذي جاء بعد عدوان غزة والإعتراف الدولي سيقود الإدارة الأمريكية للضغط أكثر على الحكومة الإسرائيلية القادمة والتي من المنتظر أن تكون أكثر تطرفا من الحكومة الحالية والتي تعتبر الأكثر تطرفا في تاريخ الكيان منذ انشائه، خاصة وأن الرئيس الأمريكي سيحاول التوصل إلى حل جذري للصراع في الشرق الأوسط الذي أضحى يؤرق الأمريكان والتوجه إلى الصراع الجديد الذي بات يلوح في المحيط الهادئ مع الصين وهو ما يقره التمشي الإستراتيجي الذي أقر العام الماضي في واشنطن.