لم تكد تمضي أشهر قليلة على تشكيل حكومة «الترويكا» حتى بدأ عدم الانسجام يظهر بين مؤسسات الدولة الثلاث وخاصة بين رئاسة الجمهورية والحكومة حيث بدا التناغم بينهما غائبا بل ان اكثر من ازمة ألقت بظلالها على المشهد السياسي في ظل تباين المواقف الى حد تناقضها احيانا . ولئن مثلت مشكلة البغدادي المحمودي نقطة الخلاف الاولى بين الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي و حكومة «الترويكا» التي لم يكن من اليسير طي صفحتها بسهولة حتى تتجدد الاختلافات كل مرة بشأن تباين وجهات النظر حيال بعض المسائل والقضايا فانه اتهم حليفه حزب حركة النهضة بالتغول والسيطرة على مفاصل الدولة خلال مؤتمر حزب المؤتمر . ولعل انتقاده لاداء الحكومة المؤقتة خلال احداث سليانة الاخيرة واتهامها بالتقصير وبانها لم تكن في مستوى انتظارات الجهات المهمشة والمحرومة قد أزم العلاقة اكثر بين رئاسة الجمهورية والحكومة الى حد تعالي عديد الاصوات مطالبة بسحب الثقة من المرزوقي قبل ان تتحول كل الاهتمامات في الايام الماضية الى الاعتداءات على اتحاد الشغل والاضراب العام المقرر ليوم 13 ديسمبر وكيفية الخروج من هذا المأزق . ولم تبق العلاقة بين الحكومة والمجلس التاسيسي سمنا على عسل بل ان الانتقادات التي وجهها رئيس الحكومة المؤقتة حمادي الجبالي الى المجلس التاسيسي على خلفية بطء كتابة الدستور رد عليها عديد النواب مؤكدين ان المجلس التاسيسي يبقى السلطة العليا في البلاد التي انبثق منها مختلف السلطات .وهكذا ظلت العلاقة بين مؤسسات الدولة متأرجحة بين مد وجزر في ظل الاستقطاب والغايات الانتخابية في انتظار ما تخفيه الايام القادمة . ضرورة سياسية واكد سالم لبيض المختص في علم الاجتماع السياسي ان هذه المؤسّسات الثلاث التي تحكم البلاد كل له عين على الانتخابات القادمة وعين على السلطة واستمراريتها وهذا ربما يرفع من درجة المناورة في علاقتهم ببعضهم البعض مما يؤدّي الى ضعف الثقة او حتى انهيارها كما بدأ يبرز بين رئاسة الحكومة ورئاسة الدولة وهذا الامر لن ينتهي الى تفكيك الترويكا كما يعتقد البعض وانما سيضعف من دور الحكومة في هذه المرحلة بالذات على حد تعبيره . واشار لبيض الى ان العلاقة بين اطراف الترويكا الثلاثة هي ليست علاقة حب وليست علاقة رغبة في العيش المشترك بقدر ماهي ضرورة سياسية بدأت في البداية هكذا وتحّلت الى نوع من الحبل الذي يقيّد الاطراف الثلاثة دون ان يستطيع احد منهم فك ذلك القيد مع الرغبة الجامحة لكل منهم في ذلك . تلويح بالتمرد فقط وتابع قائلا «اذا حاولنا ان نفكك المشهد سنجد ان النهضة اذا فكت ارتباطها مع المرزوقي وبن جعفر ربما لن تتوفر لها الاغلبية في المجلس التاسيسي ووضعها في هذه المرحلة اصعب بان تجد حلفاء جددا نتيجة ارتباط صورتها في هذه الفترة القليلة من الحكم بالهيمنة على حلفائها وتحويل وجودهما في مؤسّسات الدولة الى مجرد وجود شكلي. وبالنسبة للمنصف المرزوقي اذا فك الارتباط مع النهضة فربما يخسر مكانه كرئيس للدولة وسينتج عن ذلك خروج حزب المؤتمر من الحكومة وهو الحزب الذي بدأ صغيرا وكبر في علاقة بتجربة الحكم .وبالنسبة الى مصطفى بن جعفر اذا خرج في هذه الفترة سيخسر مكانه في رئاسة المجلس التاسيسي وهي الخطة التي صنعت له رأس مال رمزيا وشبكة علائقية واسعة وقدرة على التاثير في المستوى الوطني والمستوى العالمي وسيجد ان حزبه الذي تمكن من الحصول على عدد محترم من المقاعد في انتخابات التاسيسي قد تلاشى وانفض من حوله خاصة وان هذا الحزب هو حزب مركب وليس حزبا ايديولوجيا وعقائديا .ومن هذا المنطلق نفهم ان الترويكا تشكل حزمة اذا انفرط منها واحد فستنفرط كلها ولذلك فهم يلوحون بالتمرّد عن بعضهم ولكنهم لايستطيعون عمليا القيام بذلك فاما ان يعيشوا بطريقة مشتركة او ان يموتوا بطريقة مشتركة « وشدد سالم لبيض على ان النهضة لن تستطيع التحكم في مفاصل كتابة الدستور اثناء مناقشته في الجلسات العامة اذا هي فكت الارتباط مع حليفيها الرئيسيين لانه ستتشكل اغلبية جديدة وان كان الدستور الصغير يعطي امكانية تسيير البلاد للحزب الحاكم صاحب الاغلبية حتى وان كان اقليا مقارنة بعدد النواب وهذه من الحيل السياسية الذكية التي اهتدت اليها النهضة عندما وقعت كتابة النص المنظم للسلطات . كرة الثلج وبين لبيض ان هناك مناورة سياسية بين هذه الاطراف المشكلة للحكومة لكسب المزيد من الوقت في تسيير شؤون الحكم وفي تحديد المشهد المستقبلي عن طريق صياغة الدستور وهذا كان مناسبا لها في زمن تشتت قوى المعارضة لكن بما ان هذه المعارضات استطاعت ان تقوم بمعارك حقيقية وعملية تجييش شعبي من خلال احداث سليانة ومعركة الاتحاد العام التونسي للشغل الاخيرة حيث بدأت كرة الثلج التي قذفت بها المعارضة في اتجاه السلطة تكبر شيئا فشيئا.