أثارت بعض الفصول الواردة في مشروع مسودة الدستور استياء كبيرا لدى بعض الملاحظين والمهتمين بالشان السياسي استنادا إلى أنها تكرس لديكتاتورية ناشئة على اعتبار أن بعضها يحجر أي تتبع قضائي أو جزائي ضد عضو مجلس الشعب في فترة أدائه لمهامه كما يمنح فصل اخر الحصانة القضائية لرئيس الجمهورية الامر الذي دفع ببعض المضطلعين بالشان القانوني الى التاكيد على ان هذه الفصول تحتاج الى التعديل نظرا لخطورة البعض منها فضلا عن النظر في كل الآثار التي يمكن أن تترتب عن هذه الأحكام. وهذه الفصول هي الفصول 53، و54، و68 و95. ينص الفصل 53 " لا يمكن إجراء أي تتبع قضائي مدني أو جزائي ضد عضو بمجلس الشعب أو إيقافه أو محاكمته لأجل آراء ومقترحات يبديها أو أعمال يقوم بها بمناسبة أدائه لمهامه النيابية " اما الفصل 54 فقد جاء صياغته كالتالي:"لا يمكن تتبع أو إيقاف عضو مجلس الشعب طيلة نيابته في تهمة جنائية اوجناحية ما لم ترفع عنه الحصانة .أما في حالة التلبس بالجريمة فانه يمكن إيقافه ويعلم المجلس حالا على أن ينتهي الإيقاف إذا طلب المجلس ذلك وخلال عطلة المجلس يقوم مكتبه بمهامه. أما الفصل 68 فينص على أن "يتمتع رئيس الجمهورية أثناء ممارسة مهامه بحصانة قضائية كما ينتفع بهذه الحصانة القضائية بعد إنهاء مباشرته لمهامه بالنسبة إلى الأفعال التي قام بها ..." في حين ينص الفصل 95 الذي يهم قسم الدفاع والأمن على أن لا يؤاخذ "أي عنصر من عناصر الأجهزة الأمنية الداخلية قضائيا عما ينجرعن أعماله عند القيام بمهام عملياته التي قررتها قيادة الجهاز الأمني وكلفته بها". تساؤل واستغراب في تقييمه للفصول السالفة الذكر يرى الخبير في القانون الدستوري قيس سعيد بداية فيما يتعلق بمبدأ الحصانة انه توجد حصانة برلمانية وحصانة ديبلوماسية وحصانة قضائية، وقال إن " الغرض من الحصانة بوجه عام هو تمكين المتمتعين بها من ممارسة مهامهم ووظائفهم بمنأى عن أي ضغط يمكن أن تمارسه سلطة أخرى لا سيما السلطة التنفيذية". وأضاف أن الحصانة نوعان :واحدة صلب المجلس وأخرى خارجه مشيرا إلى أن الحصانة التي وردت صلب نص المشروع الأول (الفصل 53 ) تمنح الحصانة حتى للأعمال التي يقوم بها أعضاء مجلس الشعب متسائلا في السياق ذاته: "ما هي هذه الأعمال التي يمكن أن تغطيها الحصانة". أما بالنسبة للحصانة خارج المجلس فيعتبر سعيد أن الأمر تقريبا معهود إذ لا يمكن ملاحقة النائب بجنحة أو جناية مشيرا إلى أن نص المشروع يحتاج إلى بعض التعديلات. أما فيما يتعلق بالفصل الذي يهم تواصل الحصانة القضائية لرئيس الجمهورية حتى بعد انتهاء مهامه فقد اعتبر سعيد انه تم تقريبا اخذ ما ورد بتعديل الدستور في 1 جوان 59 وما ورد تحديد في الفصل 41. وأشار إلى أن الأمر في هذا الفصل يحتاج إلى توضيح فإذا تمتع رئيس الجمهورية بحصانة دائمة فكيف يمكن ملاحقته جزائيا في حال ارتكاب جريمة الخيانة العظمى مشيرا إلى أن الحصانة من غير الممكن أن يتمتع بها رئيس الجمهورية بصفة أبدية لا سيما تلك التي يمارسها لدى أدائه لمهامه موضحا في جانب آخر أن هذا الفصل سيكون مثيرا للجدل. خطأ كبير من جهة أخرى أكد الخبير في القانون الدستوري أن الفصل 95 مكانه خارج وثيقة الدستورمعتبرا أن هذا التصور الذي يسود اليوم داخل المجلس وخارجه بإدراج كل الأحكام صلب الدستور هو تصور خاطئ، وسيفقد الدستور قيمته كثيرا إلى أن هذا الفصل سيخلق جدلا كبيرا على اعتبار أن تطبيقه سيؤدي إلى أوضاع عديدة في ظل غياب المسؤولية وهو ما اعتبره خطا كبيرا. وخلص سعيد إلى القول بان الفصول المذكورة تحتاج جميعها إلى التعديل والى النظر في كل الآثار التي يمكن أن تترتب عن هذه الأحكام. حصانة لا مبرر لها تجدر الإشارة إلى أن الأستاذ القانون الدستوري رضا جنيح يتفق في عديد النقاط التي سلط عليها الضوء الأستاذ قيس سعيد وأوضح في هذا السياق أن الحصانة القضائية المطلقة لرئيس الجمهورية حتى بعد انتهاء مهامه هي التى لا مبرر لها لا سيما أن اعرق الديمقراطيات لا تتبنى هذا الطرح معتبرا ان الفصل 68 هو فصل خطير لانه لا مبرر بعدم مقاضاة رئيس الجمهورية حين ارتكابه لجريمة بعد انتهاء مهامه اذ لا بد للعدالة ان تاخذ مجراها وهو ما هو معمول به دوليا. أما فيما يتعلق بالفصل 53 ذكر جنيح ان هنالك ما يعرف بلجنة الحصانة البرلمانية، وهي مكلفة برفع الحصانة البرلمانية على النواب في حال ارتكابهم جنحة على وجه الخط مشيرا الى ان النص ورد بصيغة غير دقيقة.