في سوريا يموت الناس من أجل رغيف الخبز، والمشهد هذه المرة لم يكن ضربا من الخيال بل حقيقة بطعم الحنظل نقلتها مختلف الفضائيات عن طابور المنتظرين من أبناء الشعب السوري أمام مخبزة "محاليا"، وقد كنا نعتقد أن مثل تلك النهايات المأساوية لا تحدث إلا في القصص الخيالية أو في الافلام... نساء وشباب وأطفال انتظروا الساعات للحصول على بعض الخبز لذويهم ولكنهم فوجئوا بدلا من ذلك بالقنابل تستهدفهم وتحولهم الى أشلاء متناثرة فاختلطت الأرغفة بدماء المدنيّين الأبرياء وتحوّل المشهد إلى فاجعة جديدة تضاف إلى فصول الحرب البشعة المستمرّة في سوريا منذ أكثر من عام ونصف العام... أربعون ألف ضحية وربما كانوا أكثر أو أقل من ذلك، تلك حصيلة ضحايا الثورة في سوريا حتى الآن. ثورة انطلقت سلمية قبل أن تتحوّل الى حملة دموية ترفض معها الآلة العسكرية المدمّرة أن تتوقف عن حصد الأرواح وتنذر في كل مرة بأنها لا تستثني شيئا طالما أن الصّراع والتكالب على السّلطة قد أعمى بصيرة كل الاطراف المتناحرة وجعلها تسقط في شرك الاقتتال وافناء بعضها البعض فيما كل منها يتوهّم بأنه الباقي وأنه المنتصر حتى و ان كان ذلك على حساب مصير سوريا ومستقبل أبنائها ... ما حدث في سوريا في الساعات القليلة الماضية بالتزامن مع عودة المبعوث الاممي الأخضر الإبراهيمي الى دمشق ولقائه بشار الأسد ينذر بالأفظع، وظهور الابراهيمي في القصر الرئاسي في هذه المرحلة لم يكن بالتأكيد بالأمر الهّين بالنسبة للديبلوماسي الجزائري الذي وجد نفسه محاطا بطاقم الأسد من الحرس القديم الذي واكب سنوات حكم والده واستمرّ الى جانب الوريث غير الشرعي للنظام في سوريا على مدى العقد الماضي. فقد بدت الصورة باهتة وزائفة الى أبعد الحدود ولكنها كانت ناطقة بما خفي من أخبار بشار الأسد الذي وبرغم هدوئه الظاهر لم يستطع اخفاء توتره وربما إحساسه بالمأزق الذي بات فيه. وأما الاخضر الابراهيمي فقد بدا ومن خلال تلك اللقطات القصيرة، محبطا وهو الديبلوماسي المحنك الذي اقترن اسمه برجل المهمّات الصّعبة، وقد كان عاجزا حتى عن الإدلاء بتصريح مقنع للصحافيين الذين التفوا حوله بعد اللقاء، وربما أدرك الابراهيمي هذه المرّة أن المهمّة باتت مستحيلة فعلا أمام تعقيدات المشهد وعجز الأطراف الدولية الفاعلة عن انهاء الحرب ووقف نزيف الدماء . عودة الابراهيمي وزيارته غير المعلنة إلى سوريا التي دخلها عبر الحدود البرّية اللبنانية وليس عبر مطار دمشق معطى إضافي حول المشهد الأمني في سوريا الواقع بين فكي أسلحة المقاتلين والجيش السوري... اقترنت هذه المرة بتسريبات عن مبادرة توافقية أمريكية روسية للخروج من النفق المسدود، ويبدو أن الابراهيمي اختار أن ينقل المبادرة إلى الأسد ومعها الإنذار الاخير ربما، قبل أن يتمكن المقاتلون من العاصمة السورية. مبادرة جديدة تضاف الى قائمة المبادرات السابقة التي تقدّمت بها تركيا وإيران والامم المتحدة وغيرها من الاطراف، والتي لا يبدو أنها ستجد لها موقعا يذكر لسبب بسيط وهو أنه لا أحد من أطراف الصراع، أو حتى الأطراف المعنية بالحل في سوريا، تريد جدّيا وضع حد لهذه الحرب التي تدفع المنطقة بأكملها إلى المجهول ... قبل أسبوع خرج فاروق الشرع نائب الرئيس السوري ولأول مرة عن صمته ليدلي بموقفه مما يحدث في سوريا ويعلن صراحة أن الحسم العسكري مستحيل وأنه لا يمكن لأي طرف، سواء تعلق الأمر بما بقي من السلطة في سوريا أو كذلك المعارضة، بلوغه. موقف لم ينتبه له الكثيرون وربما لم يبلغ أسماع الاسد الذي تعدّدت بشأن نهايته السيناريوهات من السيئ الى الأسوإ، بين سيناريو علي عبد الله صالح في اليمن، وسيناريو القذافي في ليبيا لإنهاء واحدة من أطول وأسوإ وأفظع الحروب الأهلية المستمرة حتى الآن. فعندما يتلوّث الخبز بالدم لا يمكن أن يكون المشهد باتجاه الحل...