من المتوقع ان تعرف الخارطة السياسية في تونس جملة من التحولات التي من شأنها ان تحمل عديد المفاجآت وذلك بالنظر الى واقع الحوارات واللقاءات سواء كانت تلك المعلنة او السرية. واذ يبدو الواقع السياسي متجها أكثر نحو الانفتاح الحزبي فإن اللقاءات التي جمعت الحزب الجمهوري والمسار ونداء تونس ليلتحق بعدها كل من حزب العمل الوطني والحزب الاشتراكي والتي انتهت باعلان مشروع الاتحاد من اجل تونس كقطب قادر على احداث توازن مضاد ل"الترويكا"، فقد ظهرت فجاة وعلى اثر ما بات يعرف بقضية "الشيراتون غايت" عدة أسئلة متعلقة اساسا بالجهة التي تقف وراء تسريب الملف برمته. وقبل ان تتجه الأنظارالى الطرف المتهم بالتسريب ووفقا لما يدور في الكواليس السياسية، فقد أرجعت بعض الاطراف السياسية من خارج دائرة الفعل الحكومي اسباب تسريب الوثائق المذكورة الى طبيعة الصراعات الداخلية للترويكا سيما تلك المتعلقة بموقف رئيس الجمهورية من الحكومة المؤقتة ودعوته الى حكومة مصغرة ليقابل هذا الموقف بموقف مضاد عندما رفض نواب حركة النهضة التصويت على ميزانية رئاسة الجمهورية. ولم تتوقف "النيران الصديقة" عند هذا الحد فقد تداولت بعض الاوساط السياسية اخبارا مفادها ان حركة النهضة ضاقت ذرعا بتصرفات حزب المؤتمر من خلال تعارض المواقف السياسية للحزبين تحت قبة التاسيسي وهو ما من شانه ان يعجل بنهاية " زواج المتعة " بين النهضة والمؤتمر" و يسقط حزب الرئيس من حسابات الحركة وينهي التحالف التقليدي بينهما. في المقابل يعود لاعب اخر الى ميدان التحولات السياسية فكما هو معلوم فقد التقى اول امس رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي بالمسؤول السياسي الاول للحزب الجمهوري احمد نجيب الشابي وقد حصل اللقاء بين الرجلين تزامنا مع "فك الارتباط" بين الشابي وحركة نداء تونس وذلك انطلاقا من قاعدة ما اثاره الباجي قائد السبسي في تصريحاته الصحفية الاخيرة. "حرب باردة" اما المعطى الثاني فهو في علاقته بالحراك السياسي والتحوير الوزاري المرتقب والحرب الباردة بين النهضة والمؤتمر والتي باتت اكثر وضوحا غداة رفض نواب المؤتمر التصويت على مراجعة فصول النظام الداخلي بالمجلس التاسيسي و دنوّهم من موقف المعارضة. كل هذه المعطيات و غيرها تؤكد ان مشهدا جديدا في طور التشكل بألوان ورموز قديمة/جديدة وان التقسيم التقليدي للطيف السياسي على قاعدة جماعة في الحكم والجبهة الشعبية في المعارضة وجناح معتدل يضم النداء وحلفائه لم تعد كافية لقراءة سليمة للمشهد في شكلها العام. الرئاسية.. ومن الواضح ان كل القراءات المطروحة لم تضع وزنا للطموحات الشخصية وتاثيرها في تشكيل المشهد السياسي من ذلك طموحات الشابي في ان يكون على الدوام رئيسا للجمهورية ورغبة منصف المرزوقي في تجديد ولايته من خلال ما يقوم به من مواقف واعمال تؤسس لتميزه عن بقية شركائه. وفي واقع الامر لم يخرج رئيس المجلس الوطني التاسيسي مصطفى بن جعفر عن رغبته في ان يكون رئيسا للجمهورية ويفسر معظم المتابعين للشان الوطني ذلك بانسجامه وكتلته النيابية بالمجلس الوطني التاسيسي مع مواقف حركة النهضة -باستثناء موقفه من مشاركة حزبه في مؤتمر الحوار الوطني الذي طرحه الاتحاد العام التونسي للشغل ، حيث فسر كل ذلك بان الرجل يرغب في ان يكون مرشحها القادم للرئاسة خاصة اذا ما اخذنا بعين الاعتبار ما صرح به رئيس المكتب السياسي للحركة عامر العريض في إحدى الصحف حيث اعتبر " ان الحركة لم تحسم بعد مرشحها للرئاسة ويمكن ان يكون المرشح من خارج الحركة اصلا ." وفيما يتعلق بترشح الباجي قائد السبسي فانه ومهما كانت الموانع التي تحول دون ترشحه فان اصراره على خوض التجربة لا يبعد كثيرا عن رغبة بعض الزعماء داخل النداء مستغلين بذلك شعبية الحزب وسرعة انتشاره وهو ما بحث عنه نجيب الشابي ايضا الذي سعى ووفقا لما نقله لنا اعضاء من داخل نداء تونس حتى يكون مرشح الاتحاد من اجل تونس لرئاسة الجمهورية وهو امر لم يقبله عدد من "الندائيين" الامر الذي عجل بالشابي الى البحث عن مواقع اخرى للتفاوض وهو ما دفع بقائد السبسي الى القول في حديث لجريدة يومية " نجيب الشابي غير قادر على قيادة حزب .....ان الحزب الجمهوري حزب غير ناضج '' ليرد الشابي على اذاعة موزاييك قائلا " ان ما قاله الباجي قائد السبسي هو بمثابة النيران الصديقة"..