- الإشاعة هي الوسيلة الإعلامية الأقدم في العالم وهي كذلك الاسرع في الانتشار رغم انها" أبتر"..ولعلّه تروق لنا الاخبارالسحرية المستغربة التي تأتينا من كل نوافذ الحياة وتطير؛ ومن المتعذر رصد جنسها وتحديد انتمائها إلى أية فصيلة تكون. صناعة الشائعات هي شبيهة بالحروب الخاطفة ،التي قد تؤدي الى تدميرالعدو نهائيا، وليس من المبالغة في شيء إذا عُدَّت ظاهرة اجتماعية عالمية مثيرة للجدل، تعاني منها الصحافة بانواعها المكتوبة والمرئية والمسموعة وخطورتها البالغة على المجتمعات، وأنها جديرة بالتشخيص والعلاج، وحَرِيَّ التصدي لها لاستئصالها، والتكاتف للقضاء على أسبابها وبواعثها. والاعلام المبني على الاشاعات هو اليوم واقع لا مناص من التعامل معه، وإن كانت هذه الادوات في السابق قد قوبلت بالرفض كمصدر إخباري بغيض وبقيت فقط مجرد قنوات اتصال تعبيرية لافراد منعزلين! إلا أنها اليوم باتت تفرض نفسها على الأرض بشكل يجعلنا نحاول تكييفها لا رفضها، والتعامل معها لا إقصاءها، والذي دفعني لتناول هذا الموضوع ثلاثة مسببات: -الاوّل بعض الجرائد والمجلات، التي لم تجد انتشارا لها، وتخلى القراء عنها، فبدأت تتبنى الإشاعة كنوع من الإثارة لاستمالة القراء وسعيا وراء الكسب ونظرا لتدني مستوى الوعي في الأوساط الاجتماعية تجد هذه الصحف مرتعا خصبا للتداول، وذلك ما بدا يطفوعلى الأرض بتونس لتنوع وكثرة وسائل الإعلام المكتوبة ... - الثاني قد تكون الإشاعة أيضا على المستوى الرسمي للدولة اوالاحزاب الحاكمة بحيث يراد منها جس نبض الرأي العام ورد الفعل الشعبي عندما يراد تمرير قرار اجتماعي معين، والحكام يرقبونها معتبرين اياها محرارا صعودا اوهبوطا لمشاعر الشعب نحو النظام ؛ بانين عليها توقعاتهم لأحداث مستقبلية سواء على المستوى المحلي أو الخارجي. - الثالث عندما نتناول بالدرس سبب ظهورالإشاعة نراه يعزو إلى انعدام نشرالمعلومات الكافية لإشباع رغبات الجماهير من الحكومات. وللتقليل من الإشاعة يجب اظهارالحقيقة كلّ الحقيقة وبشفافية مبهرة، وعدم إخفاء شيء عن الجماهير حتى لا يكون هناك سبب لظهورها. ومن الأسباب الاخرى التي تضاف الى المصاريع فائتة الذكر : * الدافع النفسي المتقلب في الانسان لانعدام المستوى التهذيبي من الأمة والبعد عن الدين وتقطع الاسباب بين الناس وانعدام الثقة بين فئات الشعب؛ بين الجمهور والقمة والافتقارالى الأيادي الخبيرة والحكيمة التي تخرج الامة من ورطتها، فتقوم بالإجابة عن كل طارئ وحل كل مشكل قبل استفحاله. ويتطلب التصدي للإشاعة أن يكون هناك وعي وفهم كاملان لفكر أصحاب الاشاعه وأهدافهم، وتوضيح الحقيقة للشعب من خلال تزويد المواطن بالمعلومات الصحيحة كما ذكرت، وعدم التضارب في تصريحات المسؤولين وعدم الإصرارعلى الخطإ وتلبسه الاعتذارات؛ فالخطأ يقرأ خطأ ومحاسبة الفاسدين من خلال إعلام مهني صادق ومحترم؛ وأن يلعب الأعلام دورا أساسيا في أوساط الجماهير بزيادة وعيهم وتثقيفهم؛ وليس بنشر الفضائح وبث روح الفرقة وتزييف الحقيقة وإظهار الحقائق مقلوبة. ويجب أن تكون هناك قوانين جزر صارمة لمحاسبة هذه الفئات والشخصيات من مُطْلِقي الإشاعات والأكاذيب الاعلاميه التي تشكل قمة الانتهازيه والكذب لتحقيق مصالح شخصيه أو حزبيه؛ أوخدمة أهداف خارجية. والأهم من كل ذلك أن يعي المسؤول السياسي خاصة بأن وجوده في السلطة يتطلب منه التنزه عن كل المفاسد والمكاره تجنبا لاثارة الاشاعة . والاشاعة قد تسللت الى حياة الانبياء كذلك وقد ذُكر ذلك في القرآن الكريم؛ فنجد أن نوحا عليه السلام أشيع عنه أنه ضال (إنا لنراك في ضلال مبين) ثم موسى عليه السلام اشاعوا عنه انه ساحر( إن هذا لساحرعظيم يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون) كذلك في عهد رسولنا الكريم كانت إشاعة حادثة الإفك التي كادت أن تشطر المسلمين إلى فريقين. ( إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس به علم ). عود على بدء وبخصوص الإشاعة قد كتبت في مقال سابق ان الاستقالة الطوعية عنوان للبراءة و استقالة الوزيرلا تعني ثبوت التهمة عليه والمستقيل يثأر لكرامته بعيدا عن المناصب السياسية وبعيدا عن الحصانة الديبلوماسية وليستطيع القضاء البت في المسالة وأن تظهر السلطة الحيادية بعيدا عن توزيرها لأحد أفرادها، ولكي لا يكون عرضة للهجوم والابتزاز وأن يُسوٍّق للجمهور أنّ الدفاع عن نفسه أهم من البقاء بالوزارة. أمّا الحدث الأهم من الإشاعة هوعدم الانصياع ورائها وترديدها من دون طائل ويجب الحذر من تصديقها من دون دليل أو نشرها لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: "كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع". تبقى الإشاعة مجرّد قول وليس تهمة حتى يتم تقديم الوقائع والدلائل التي تشير لصحة تلك الاشاعة أو من عدمها ؟ بينما في بعض البلدان فالإشاعة هي خيروسيلة للاقتصاص من رئيس أو وزير أو إعلامي أو كاتب أو ناشط سياسي المهم تلطيخ جبهته بالتراب والتشفي منه بالباطل، وقد تكون لأغراض شخصية وبسيطة ، فالبيئة التونسية الآن بحاجة لتوعية وهذا دورالديمقراطيات الحديثة المتأصلة التي جاءت بها الثورة العربية. كذلك لا ننسى ان للإشاعة آثارها المدمرة كما ذكرنا، من تضليل الرأي العام، والفتنة بين الناس، وتشويه سمعة، كذلك الاشاعة كَمْ أقلقت أبرياء وحطمت عظماء وهدمت وشائج من سير أقوام لخطرها ؟ هناك ضرورة ملحة في التصدي للإشاعات التي هدفها مقيت وقد يصبح مميتا ثم إن المجتمع الاسلامي هو مجتمع كتابي رباني ومن أكثر المجتمعات تحصناً ضد الإشاعة ومناعة تجاه الحرب المعنوية بما أوتي من تماسك، ومن منهج التفكير والاستبدال لا يأخذ بالظن ولا يتوقف عند الشكوك. مترجم