- 1- ليس هناك ما يدعو للاحتفال بالذكرى الثانية لثورة14 جانفي2011. فقد توارى الثوار إلى الوراء تاركين الساحة لفئة امتهنت السطو واللصوصية لم تبين إلى حدّ هذه الساعة علاقتها بالثورة خاصّة وأن بعض رموزها يحمل أوسمة بن علي على صدورهم وساهموا في توطيد أركان نظامه. هؤلاء وغيرهم ساهموا في قيادة المسار الانتقالي ورسم ملامحه. فكان التآمر وكان الالتفاف على الثورة أبرز سمات هذا المسار الاحتيالي المتعثّر. هؤلاء اغتصبوا سلطة وأصدروا مراسيم مفخّخة وأجروا انتخابات أقصوا منها أكثر من نصف الناخبين وقالوا إنها أوّل انتخابات حرّة ونزيهة وشفافة في تاريخ تونس وفي المنطقة العربية بأسرها. ثم ولما استغنى المجلس التأسيسي على خدماتهم و»خبرتهم» وتفطن بعض أعضائه أنهم يرمون باسم «الخبرة» إلى ممارسة وصاية على المجلس سارعوا إلى تبخيسه ووصفه بأبشع النعوت منادين بانتهاء الشرعية يوم23 أكتوبر2012، وذهبوا إلى حدّ اعتبار خيار انتخابات المجلس التأسيسي خطأ تاريخيا. هؤلاء المتلونين الذين يتصدرون المشهد وجدوا في الإعلام البنفسجي خير حليف، فكلما خفت أصواتهم يعاود الإعلام المعتل إحياءهم من جديد وتسويق خطابهم البائس. -2- هذا المسار الانتقالي أفرز حكومة محاصصة حزبية تفتقر إلى الخبرة والكفاءة. وكما كان منتظرا فشلت هذه الحكومة في إدارة البلاد وبدّدت وقتا ثمينا دون طائل، فكلما ظهرت بوادر انفراج أعقبتها هزّات فاقمت من شدة الإحتقانات. وتبدو هذه الحكومة عاجزة على إعادة إنعاش الدورة الإقتصادية والحدّ بالتالي من ظاهرة البطالة المتفشية في شباب يطمع إلى غد أفضل وتوفير مقوّمات عيش كريم فإذا بأحلامه الوردية تتحوّل إلى كوابيس وأصبح يحنّ إلى أمس قريب ثار ضدّه. كما فشلت هذه الحكومة في تنفيذ مشاريع من شانها النهوض بالجهات الداخلية المهمشة. وما تشهده الجهات من احتجاجات وانتفاضات ينذر بقرب إندلاع ثورة ثانية تصحيحية. إلى جانب هذه الخيبات، ساهم تراخي الحكومة في تفكيك منظومة الفساد والإستبداد في عودة المارد التجمعي إلى المشهد السياسي الذي شرع في ثورة مضادة يهدف من خلالها إلى إعادة النظام البائد تحت رايات ومسميات وعناوين مختلفة. وقد استغل الأزلام فشل الحكومة لتسويق خطابهم وبدائلهم. ويبدو هذا السيناريو ممكنا سيما وأن لا يحظى بدعم قوى إقليمية ودولية. فهذه القوى لم تستسغ نموذج الحكم الذي تبشّر به حكومة تقودها أغلبية نهضاوية. وفي ظلّ هذا المناخ المحتقن إجتماعياّ وسياسيا والمتأزم اقتصاديا والمنفلت أمنيا، تبدو الحكومة غير مبالية بما يجري حولها ومنشغلة في تحوير وزاري تسعى من خلاله استعادة أنفاسها. ففي هذه اللحظة التي تنجرف فيها البلاد إلى هاوية سحيقة لا يبدو أن لها قاعا يتعيّن على هذه الحكومة وعلى جميع الفرقاء السياسيين أن يلتفوا حول مصلحة البلاد العليا التي تبقى سفينة النجاة. وتقتضي مصلحة الوطن التعجيل بالخروج من الزمن الانتقالي المؤقت إلى مرحلة الاستقرار والشروع في بناء مؤسسات الدولة على أساس فلسفة جديدة قوامها مبادئ الديمقراطية. ومن هذا المنطلق لا من غيره، يتعيّن الإسراع في تكوين الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات والإنتهاء من كتابة الدستور وتحديد رزنامة نهائية لإجراء الانتخابات خلال الأشهر القادمة. وعلى الطبقة السياسية التي هي في حاجة إلى إعادة تأهيل، أن ترتقي بمفردات خطابها السياسي وأن تعود إلى رشدها وأن تكف عن إطلاق المبادرات التي لا طائل من ورائها سوى بث الفرقة بين أبناء الشعب الواحد وتأجيج الصراعات السياسية والتحريض على العنف الذي إذا ما استشرى في النسيج الاجتماعي فسيزج بالبلاد في أتون فتنة لن تبقي ولن تذر. لقد أدرك الشعب أن الأزمة التي تعيشها البلاد هي أزمة النخبة السياسية التي فاجأتها الثورة وتبيّن أنها غير جاهزة للحكم وربّما تكون غير صالحة لاعتلاء سدته. وما الصراعات بين مكونات هذه النخبة سوى دليل على صواب هذا الرأي. وفي كلّ الحالات، على الطبقة السياسية أن تعي أن الثورات قد تتوقّف لردهات لاسترداد الأنفاس ولكنها لا تقف. وما يعتمل داخل المناطق الداخلية لهو خير دليل على أن شعلة الثورة لن تنطفئ طالما أن أهدافها لم تتحقق بعد. أستاذ محاضر مبرز في القانون العام