كم كنا نتمنى ونحن نتابع تلك الصورة القادمة إلينا من أحد الاحياء الشعبية بالعاصمة عما عثرت عليه السلطات الامنية من ترسانة الأسلحة المنتشرة في البلاد، لو أن خالد طروش الناطق باسم الداخلية خرج إلينا مكذبا الخبر ونافيا وجود ذلك الكم الهائل من السلاح في البلاد. وكم كنا نتمنى ونحن نتأمل في حيرة التقرير الخاص بأنواع السلاح و"الأر بي جي" و"الكلاشنكوف" والمتفجرات والسكاكين والسيوف وغيرها من أدوات الحرب والخراب، لو أن سمير ديلو الناطق باسم الحكومة، استعاد فجأة منصبه وخرج مكذبا تلك الصور وليؤكد في ذات الوقت أنه تم فبركتها أو أنها التقطت في بلد آخر غير تونس... هل يدرك المتكالبون على السلطة في البلاد كم نحن في حاجة اليوم لرسالة طمأنة حقيقية وليس لمجرد شعارات أو خطابات بأن تونسنا ليست مخزنا للسلاح غير المشروع وبأن أرضنا لن تكون يوما مسرحا للصراعات الدموية والفتن والتكفير والتخوين وتصفية الحسابات..؟ طبعا لم تكن تلك المرة الاولى التي يتم الكشف فيها عن وجود أسلحة منتشرة في مناطق مختلفة من البلاد. فعلى مدى السنتين المنقضيتين، وبعد زوال عنصر الصدمة، بدأ التونسيون يتعودون بين الفينة والأخرى على أخبار تؤكد العثور على كميات مهربة من الأسلحة على الحدود مع ليبيا أو الجزائر وفي مناطق مختلفة من البلاد، ويتابعون معها أنباء تفكيك شبكات مسلحة بصدد إقامة معسكرات تدريب في الجبال أو في المناطق النائية. والواقع أن تلك الانباء لم تكن -وللأسف- دوما من دون ضحايا. فقد كان ثمن الكشف عن مخابئ تلك الاسلحة مكلفا للمؤسسة الامنية التونسية، ولاشك أن ما سجل أول أمس من اكتشافات جديدة لكميات كبيرة من الترسانة الحربية المهربة الى أحد الاحياء الشعبية بالعاصمة قد أثار لدى التونسيين احساسا مشروعا بالحيرة والخوف... حيرة إزاء كيفية تجاوز تلك الاسلحة حدود البلاد والوصول بها الى العاصمة، وخوف من أهداف ونوايا المهربين من وراء كل ذلك وما اذا كان الأمر يتعلق بنقل وتهريب تلك الاسلحة الى خارج البلاد أو على العكس من ذلك، بتكديسها وتجميعها إلى حين حاجة إليها. على أن المخاوف إزاء هذه الاسلحة المختلفة لا تتوقف عند هذا الحد، ذلك أن الكشف على تلك الكمية منها لا يلغي بأي حال من الاحوال امكانية وجود كميات أخرى قد يكون مهربوها نجحوا في إخفائها عن الأعين. بل ان في اختيار الاحياء الشعبية أو بعض المساجد لاخفائها قد يكشف بدوره الكثير عن مخططات ونوايا، وربما أيضا انتماءات المهربين الذين يتخفون بين تلك الاحياء حتى يتجنبوا أنظار المتطفلين. وإذا كانت سيارة "الستاغ" هذه المرة وراء الكشف عن ترسانة المنيهلة فلا أحد يدري إن بقيت هناك ترسانة أو ترسانات بلا اكتشاف.. واذا كان اليوم هناك اجماع حاصل على أن مصدر السلاح الذي يهدد البلاد في الحاضر والمستقبل مغارات السلاح المنتشر في ليبيا والذي بات يجد طريقه الى بلادنا بطريقة أو بأخرى فإنه لا أحد أيا كان أو سيكون موقعه في الحكومة المستقيلة أو المرتقبة بإمكانه أن يجزم بشأن وجهة تلك الاسلحة أو ما اذا كانت معدة للخارج وليس للداخل. والواقع أن كميات السلاح التي رأيناها لا يمكن أن تكون من أجل معركة بين عروشات متناحرة أو من أجل قطعة أرض لا مالك لها، بل هي معدة لمعركة حقيقية لا يمكن بأي حال من الاحوال أن يكون للتونسيين فيها مصلحة أو رغبة لأنها لا يمكن الا أن تحمل معها الخراب والدمار والضياع لبلد اختار أن يكون سلاحه العلوم والمعارف وصناعة المستقبل والحياة وليس الموت والفناء والجهل. و لعل في تزامن الكشف عن تلك الأسلحة مع الأزمة الراهنة التي تعيش على وقعها البلاد والتي ازدادت تعقيدا منذ اغتيال الشهيد شكري بلعيد ما يدعو فعلا وأكثر من أي وقت مضى الى اطلاق صيحة فزع حول المخاطر الحقيقية للسلاح في البلاد وما اذا كان سيتعين على كل بيت بعد الآن أن يسعى على طريقته لامتلاك سلاح تحسبا للأسوإ... فما رأي السيد وزير الداخلية في الأمر وهو الذي سينصرف الى تشكيل حكومة جديدة بعد مبايعته لتولى رئاسة الحكومة؟