لم يعد المجال الجمعياتي حكرا على طرف دون غيره في تونس ما بعد الثورة حيث انخرطت كل اطياف المجتمع من مختلف الايديولوجيات والتوجهات الفكرية في العمل الخيري عبر القوافل الانسانية المتجهة نحو مناطق محرومة، وقد بلغت ذروتها قبيل انتخابات 23 اكتوبر عبر مساعدات اتخذت اشكالا متعددة. ومن بين الاطراف الاكثر نشاطا في هذا المجال خلال الاشهر الاخيرة «أنصار الشريعة» وعدد من الجمعيات المدنية الخيرية. ويبقى السؤال المطروح عن مصادر تمويل هذه القوافل وهل يمكن لهذه التيارات ان تنافس الدولة في سياساتها في بعض المجالات المتعلقة بالجانب الخيري او المجتمعي؟ «الصباح الأسبوعي» بحثت في الموضوع واتصلت بمحمد الحداد خبير مختص في الجماعات الاسلامية والاستاذ الجامعي سالم لبيض الدكتور في علم الاجتماع. لا يختلف عاقلان في شحّ المعلومة بخصوص معرفة مصادر تمويل الجمعيات والتيارات التي لم تنضو في جمعية وتمارس عملا انسانيا جمعياتيا ذات توجه ديني ونعني بذلك «أنصار الشريعة» وغيرها من التيارات، رغم تاكيد كل الاطراف على شفافية مصادر تمويلها المتاتية اساسا من التبرعات ومساهمات عينية للافراد العاديين، لكن ضخامة بعض القوافل الانسانية تثير جدلا كبيرا جعل العديد يتساءلون عن المصادر الحقيقية للتمويل؟. ظاهرة عادية يقول الأستاذ محمد الحداد: «لم تكن ظاهرة الأعمال الاجتماعية لتمرير افكار ايديولوجية او دينية او سياسية بالجديدة على الواقع التونسي وليست حكرا على التيارات الدينية بل شملت العديد من الاطراف من مختلف التوجهات. وفي اي مجتمع ديمقراطي يصعب منع تنظيم اي طرف للقوافل الانسانية وغيرها من العمل الجمعياتي الذي يبقى للدولة مسؤوليتها في توفير العيش الكريم لمواطنيها حتى لا يمكن مقايضة مساعدات إنسانية بمشروع سياسي. كما يجب ان تتوفر المعلومة لكل مواطن بما في ذلك ظاهرة العمل الخيري لاسباب سياسية. عموما لا ينبغي ان نضخم من الظاهرة». استرجاع دور قديم بدوره يؤكد الدكتور سالم لبيض ان العمل الخيري للتيارات الدينية وغيرها اذا ما تمت مقارنته بحسن النية وبدون الذهاب الى ما يختفي وراء السلوك الخيري والجمعياتي يمكن ان يكون نوعا من استرجاع لدور المجتمع الاهلي القديم الذي يعدّ اكثر التصاقا بالناس وبحل مشاكل ذات صبغة اجتماعية (مساعدات عينية، عمليات ختان اطفال، تقديم الأضاحي للفقراء في عيد الأضحى..). ويقول محدثنا معلقا على القوافل الخيرية والعمل الجمعياتي لعدد من منتسبي التيارات الدينية: «يمكن وضع المسالة في سياق مسيس لان هذه الجمعيات هي أذرع لتيارات سلفية وليست حزبا بل مجموعات مختلفة تعتقد ان وصولها الى عامة الناس وكسب ولائهم وتاييدهم يكون من خلال تنفيذ مثل هذه الاعمال خاصة عندما تكون لبعض هذه الجمعيات مصادر تمويل تمكنها من اخذ دور بارز، كان حزب التجمع المنحل يقوم به قبل الثورة في شكل مقايضة انتخابية وسياسية لكن الآن ذهب التجمع والدولة اصبحت ضعيفة للقيام بالعديد من الادوار مما اهل هذه التيارات والجمعيات لافتكاكها».
خطر محدق ويحذر سالم لبيض من تبادل للادوار بين الدولة والجمعيات بمختلف توجهاتها خاصة الدينية منها حيث قال: «في ظل عدم رسم استراتيجية واضحة للعمل الخيري في بلادنا فان هذه التيارات ستنافس الدولة في سياساتها وسلوكاتها وفي حال تحولت الى مجموعات بديلة للاجهزة الرسمية تصبح هناك خطورة كبيرة فادارة الاسواق الاسبوعية تعود لاجهزة الدولة وحماية املاك الناس من مشمولات المؤسسة الامنية وليست مهمّة مؤسسات امنية موازية.. ومن هذا المنطلق يصبح النشاط الخيري من قبل عدد من التيارات خطيرا لانه بامكانه ان يساهم في تفكيك أجهزة الدولة». جمال الفرشيشي
الأحياء الفقيرة ملاذ ل«دمغجة» الشباب للجهاد.. تستهدف القوافل الانسانية الاحياء الفقيرة والمحرومة وهو امر منطقي وطبيعي لكن عندما تكون هذه المناطق منطلقا للجهاديين في سوريا وغيرها من المناطق ووكرا لمخازن سلاح لا يعرف الى الآن المراد من تجميعه فان المتابع للشان الوطني والعارف بالحياة الحزبية والسياسية والاديولوجية لعدد من التيارات الدينية يتساءل عما تخفيه المساعدات الانسانية التي سمحت للجمعيات دخول منازل الناس من ابوابها ومخاطبتهم بلغات مختلفة من ابرزها اللغة الدينية التي تلج القلوب بسرعة. واذا اعتقدنا في حسن نية الجميع وسلامة قلوبهم ورغبتهم في مساعدة المحتاجين فان القوافل الانسانية في حاجة ماسة الى الرقابة من قبل الاجهزة الرسمية خاصة على مستوى مصادر التمويل والمقاصد المراد الوصول اليها من هذه الاعمال، هل الغاية مرضاة الله ام اتباعا «لسياسة المقايضة» (المساعدات الانسانية مقابل تمرير افكار وعقيدة معينة)؟.