لا حديث هذه الأيام في مصر كالحديث عن مثول المفكر والأديب يوسف زيدان أمام التحقيق وإمكانية الحكم عليه بالإعدام من اجل أفكاره وكتاباته والتهم الخطيرة التي وجهت له. فقد طالب مجمع البحوث الإسلامية في مصر"الربيع العربي" بتطبيق المادة 77 من قانون العقوبات على المفكر والأديب العربي يوسف زيدان بعد ان وجهت له تهمة "ازدراء الأديان والإساءة للديانات السماوية الثلاث وإثارة الفتنة وترويج الأفكار الدينية المتطرفة وذلك بسبب ما ورد في كتابه "اللاهوت العربي وأصول العنف الديني". ومطالبة مجمع البحوث الإسلامية في مصر(وهو مقدم البلاغ الأصلي ضد الأديب) بتطبيق هذه المادة بالذات ليست بريئة لان المادة 77 من قانون العقوبات المصري هي التي استند إليها الحكم الغيابي بالإعدام على أقباط المهجر السبعة الذين أنتجوا الفيلم المسيء للإسلام في الولاياتالمتحدة والداعي إلى إثارة الفتنة الطائفية. (وهو فيلم "براءة المسلمين" الذي يسخر من النبي محمد عليه الصلاة والسلام وكان قد أثار موجة غضب عارمة في العالم الإسلامي سقط خلالها أكثر من 30 قتيلا.) أي ان هذه المادة ستقود هذا الأديب والمفكر مباشرة إلى حبل المشنقة خاصة وانه مقيم في مصر ولا ينوي الخروج من بلاده. فأي عصر هذا الذي يواجه فيه مفكر حكم الإعدام لان هنالك من قال انه في رواية"عزازيل"وهو الاسم العبري لإبليس"تدخل تدخلا سافرا في أمور لاهوتية في شؤون داخلية في مراحل تاريخية للكنيسة لا يجب أن يتدخل فيها"؟ وكيف يمكن ليوسف زيدان الفيلسوف وصاحب المؤلفات والكتب البحثية في التصوف الإسلامي والفلسفة الإسلامية والنقد الأدبي وتاريخ العلوم العربية والروايات"عزازيل"التي نال بها جائزة البوكر العربية لسنة 2009 و"النبطي" و"محال" و"ظل الأفعى" والذي اتهم باهانة جميع الديانات لأنه وصفها بأنها "مرسلة" ان يدافع عن نفسه ويفسر فلسفيا للمحققين في نيابة امن الدولة المصرية ما عناه بكلمة "مرسلة" وكيف يثبت لهم وقد اتخذوا منه موقفا معاديا ان هذا الوصف خال من كل تجاوز وان يطلب منهم ان يفسروا له كيف يكون مثل هذا الوصف متجاوزا. وبأية طريقة يقول لهم ان الكتاب فلسفي ومناهض للعنف. يوسف زيدان شنت ضده حملة عندما كتب رائعته"عزازيل" واشتكته الكنيسة المصرية وعندما أصدر"اللاهوت العربي" اتهم بالفاشل وحاربه مجمع البحوث الإسلامية في مصر ولكن لا احد تجرأ وكتب له ردا شافيا منطقيا ومقنعا على بحثه العلمي الذي راجع فيه فكرة مقارنة الأديان وقال:"بأن الدين واحد وأن الإسلام بمفهومه الشامل يتسع ليشمل الديانات الثلاث جميعها، ويجعل أنبياءهم مسلمين كلهم وهو المعبّر عنه بدين الفطرة ودين إبراهيم ودين القيّمة ولا احد ناقشه في فكرة العنف وارتباطها بالدين." ان محاكمة يوسف اليوم هي خطوة أخرى لتشكيل مجتمع على النمط الذي يرسمه شق معين من الإسلاميين وتدخل في إطار حملة كبيرة ومنظمة لملاحقة الأدباء والمفكرين في بعض الدول العربية وفتح التحقيقات ضدهم لتخوفهم وإسكاتهم وتدجينهم. وإذا كانت الغاية من هذا التبرص بالمبدعين والمفكرين ومن هذا الانتهاك الصارخ لحرية التعبير والتفكير هي دفعهم للاستقالة من دورهم كضمير للأمة وعقلها المفكر فالأمر يقتضي مساندة يوسف زيدان والوقوف معه لان هذه الهجمة ستتجاوزه وتستفحل ان لم تجد من يتصدى لها. ◗ علياء بن نحيلة