مازال السادة المحللون الذين يقومون بإبداء آرائهم في بعض الحالات التحكيمية لا يرون مانعا في الاعتماد أحيانا على الاجتهاد الفردي والتفسيرات الشخصية لتبرير أحكامهم على بعض القرارات التي اتخذها الحكام خلال سير المباراة أو التي كان عليهم أن يتخذوها ولكن لم يفعلوا ( !) قد يلتمس لهم بعض العذر إذا كانت الحالة تسمح بالاجتهاد كأن يتعلق الأمر مثلا بطبيعة المخالفة (في الأخطاء السبعة) إن كانت بإهمال لا تستوجب سوى احتساب ركلة حرة مباشرة للمنافس أو ركلة جزاء... أو بتهوّر أو قوة مفرطة مما يفرض على الحكم إضافة الإنذار أو الطرد. أما أن يأتي المحللون في اجتهاداتهم بتفسيرات شخصية للقرار وتكون مخالفة كليا أو جزئيا للنص الواضح فهذا ما يعاب عليهم لأنهم بهذا يسيئون لقوانين اللعبة فضلا عن إساءتهم للتحكيم ولمختلف أطراف اللعبة وللبرنامج الذي يتحدثون عنه وباسمه ( !) وللتوضيح أقدم فيما يلي مثالين مختلفين في الشكل متشابهين في الجوهر. لا عقوبة في غياب العمد ! حرصا على التصدي للاعبين الذين يتعمدون إضاعة الوقت بطرق مختلفة قام من المجلس الدولي التشريعي سنة 1992 بسن القانون الذي يقضي بمعاقبة أمثال هؤلاء اللاعبين، وهذا نصه: «إذا قام لاعب بركل الكرة (بقدمه وعن عمد) نحو حارس مرمى فريقه فإنه لا يسمح لهذا الحارس بأن يلمس الكرة بيديه، وإذا لمسها يعاقب باحتساب ركلة حرة غير مباشرة للفريق المنافس....» وكما يبدو واضحا من النص القانوني فإن الحكم لا يجوز له معاقبة الحارس باعتباره مخالفا إلا إذا كان زميله قد «تعمّد» لعب الكرة نحوه بقدمه وليس بركبته أو بصدره أو برأسه... أما إذا كانت الكرة قد ارتدّت إلى الخلف (نحوه) عندما حاول زميله قذفها إلى الأمام وإبعادها عن منطقة مرمى فريقه فإن الحارس مسموح له في هذه الحالة بأن يمسك الكرة بيديه ولا يعتبر مخالفا حتى وإن كان بعد المسافة يسمح له بأن يلعبها بقدمه، خلافا لما قاله المحلل مراد الدعمي ( !). جوهر الموضوع يتمثل في أن الحكم لطفي الشريف قد أخطأ خلال الشوط الثاني في حق حارس مرمى أولمبيك الكاف ماجد بن علي باحتسابه مخالفة ضده عندما مسك الكرة بكلتا يديه بحجة أن هذه الكرة قد آلت إليه من زميله المدافع في حين أن الصورة تقول بوضوح تام بأن مدافع الكاف إنما حاول أن يلعب الكرة إلى الأمام ولكنها ارتدّت من قدمه نحو الحارس غصبا عنه. وعلى هذا الأساس قام الحارس بمسك الكرة بيديه في راحة بال لعلمه بأن العمد شرط أساسي في ثبوت العقوبة، ولأن المحلل مراد الدعمي (رغم اعترافه بعدم وجود العمد) فقد اعتبر قرار الحكم الشريف سليما في هذه الحالة والمخالفة التي احتسبها ضد حارس المرمى صحيحة، وحجته في هذا المقام أن حارس المرمى قد كان في إمكانه أن يلعب الكرة بقدمه (لبعد المسافة) وهو ما لم يقله المشرع أبدا. لقد جرت العادة بأن يتذمّر الحكام من جهل اللاعبين لقوانين اللعبة مما يتسبب لهم في العديد من المشاكل.. ولكن كيف سيكون حالهم عندما يصبح اللاعبون أعرف منهم بقوانين اللعبة (؟ !) من حسن حظ الجميع أن هذه المخالفة المجانية التي احتسبها الشريف ضد حارس أولمبيك الكاف وقرب منطقة مرماه لم تتحول إلى هدف ( !).