لن تكون مهمة وزير الداخلية الجديد سهلة من منطلق حجم المطالب والانتظارات من الوزير ومن وزارته في مرحلة حرجة من عمر مرحلة الانتقال الديمقراطي ولكن أيضا من منطلق حساسية هذه الوزارة وطبيعة عملها من الداخل في إطار العلاقة بين الوزير والكوادر الأمنية من جهة والعلاقة أيضا مع النقابات الأمنية. ورغم أهمية بقية الوزارات وخاصة وزارات السيادة التي تشبثت المعارضة وبشراسة بتحييدها فالكل يجمع على أن الدور المنوط بعهدة وزير الداخلية سيكون الأثقل والأبرز. وستكون الأعين مسلطة على أداء الوزير الجديد وعلى أداء وزارته بحكم التحديات الأمنية المطروحة اليوم فالتونسيون أصبحوا ينشدون الأمن قبل الشغل. كما أن عديد الملفات الساخنة وفي مقدمتها قضية اغتيال الشهيد شكري بلعيد تعتبر من أوكد الأولويات التي سارع كثيرون بمطالبة وزير الداخلية الجديد بإماطة اللثام عن خفاياها والتوصل في أقرب الآجال إلى الحقيقة ونشرها للراي العام. ويبدو الوزير الجديد مقدرا لأهمية هذا الملف حيث بادر بالإعلان عن نيته في إيلاء الاهتمام اللازم لموضوع الاغتيال وكان ذلك خلال بعض التصريحات التي أدلى بها إلى عدد من وسائل الاعلام بمجرد الإعلان عن ترشيحه لتولي الحقيبة الوزارية. استرجاع الثقة تجدر الإشارة أيضا في خضم الحديث عن حجم الانتظارات من وزير الداخلية الجديد إلى أن تحقيق المطالب السياسية والاستحقاقات الانتخابية المقبلة له علاقة مباشرة بنجاح وزارة الداخلة في استرجاع الأمن والحد من العنف والارهاب والوقوف على نفس المسافة بين جميع الفرقاء السياسيين وتأمين الحماية لاجتماعات كل الأحزاب دون استثناء في ما تبقى من مرحلة الانتقال الديمقراطي، ومدى النجاح في استرجاع ثقة التونسيين والسياسيين في وزارة الداخلية بعد كل اللغط الذي شاب المرحلة الفارطة والإشارات تلميحا أو تصريحا إلى تغلغل حركة النهضة في أجهزة وزارة الداخلية وإلى تلقى الجهاز الأمني للتعليمات من خارج الكوادر الأمنية صلب الداخلية بالإضافة إلى الحديث عن أمن مواز.. فكل هذه المعطيات وبقطع النظر عن مدى واقعيتها ساهمت في خلق جو من الريبة والشك في صفوف التونسيين. والوزير الجديد سيكون مطالبا باسترجاع الثقة من ناحية وكشف حقيقة الأمر من ناحية أخرى بكل تجرد وحياد. العلاقة مع الأمنيين وإن كانت كل الملفات المطروحة على طاولة وزير الداخلية الجديد حارقة فهناك من العارفين بطبيعة العمل داخل جهاز الداخلية من يعتبرون أكثر الملفات حساسية هي طبيعة العلاقة المقبلة بين وزير الداخلية من جهة والكوادر الأمنية والنقابات من جهة أخرى. بل هناك من يعتبر أن نجاح الوزير الجديد في مهامه سيكون رهين طبيعة العلاقة التي ستربطه بالكوادر الأمنية الممسكة بدواليب الوزارة والعارفة والملمة بكافة تفاصيل عمل مختلف الأجهزة الحساسة داخل الوزارة. وكذلك العلاقة مع النقابات الأمنية التي لم تكن علاقتها مع الوزير السابق في أحسن صورها بل شابتها العديد من التجاذبات والاتهامات المتبادلة بين الإدارة من جهة التي تعتبر النقابات وفي كثير من الأحيان قد انحرفت عن محددات طبيعة العمل النقابي في سلك الأمن ومزجت العمل النقابي بالسياسي، وبين النقابات الأمنية من جهة أخرى التي تعتبر الإدارة لم تستوعب بعد معطى جديدا وهو وجود نقابات في سلك الأمن يجب محاورتها وتشريكها في المسائل المتعلقة بالأعوان. وقد وصلت حدة التجاذبات بين وزارة الداخلية والنقابات الأمنية إلى حدّ رفع هذه الأخيرة شعار "ديقاج" في احدى اجتماعاتها النقابية. مناخ العمل تجعل هذه المؤشرات مسألة مناخ العمل داخل الوزارة محددا رئيسيا لنجاح الوزير الجديد في مهامه. ونشير إلى أن بعض الأمنيين بادروا بتوجيه رسائل مفتوحة إلى وزير الداخلية الجديد على غرار ما تضمنته الرسالة الموجهة من قبل الكاتب العام السابق لنقابة أعوان مطار تونسقرطاج الذي دعا فيها الوزير إلى العمل على محاسبة المتورطين ومعالجة ملف المعزولين وفتح حوار جدي وبناء مع النقابيين والاعتراف بالهياكل النقابية القانونية كشريك فاعل في الإصلاح. كما طالبه بإعادة صياغة النظام الأساسي المنظم لعمل الأمنيين وتقويض قدسية التعليمات وتعويضها بالقوانين والعمل على التنصيص على حياد المؤسسة الأمنية في الدستور التونسي الجديد وتوفير الحماية القانونية للأمنيين مع مراجعة طرق الانتداب وآليات التكوين ومراجعة التعيينات في المراكز القيادية واعتماد الكفاءة. من المطالب أيضا إيقاف نزيف هرسلة النقابيين على خلفية كشفهم لملفات الفساد وإنصاف كلّ أمني عونا كان أو إطارا أنصفه القضاء الإداري والاعتراف بالمنظمات والجمعيات كشريك فاعل في الإصلاح إذا ما كان تعاملهم مع الملف الأمني من منطلق الواعز الوطني وليس المتاجرة والمزايدة والابتعاد عن إصدار البلاغات والتصريحات قبل التحري والتدقيق لإضفاء المصداقية والإحاطة بعائلات الزملاء الموقوفين على خلفية أحداث الثورة.