الانتخاب من قبل مجلس نواب الشعب يعني بالضرورة تركيبة خاضعة للأغلبية البرلمانية مما يؤدي حتما إلى تسييسها و بالتالي الحد من حياديتها و موضوعيتها و مصداقية عملها و قراراتها و جعل الإستقلالية و الحياد المنصوص عليه بالفصل 124 مجرد ثرثرة انشائية. وبالإضافة إلى ذلك تؤدي الطريقة المقترحة في المسودة إلى تغييب المهنيين و القضاء وتغييب البعد التشاركي وهو ما يتناقض مع تأكيد المسودة منذ توطئتها على الصبغة التشاركية للديمقراطية التي يراد إرساؤها. صحيح أن الفصل 122 أحال على القانون مهمة ضبط تركيبة الهيئات و تنظيمها. و يمكن التساؤل في هذا الإطار عن طبيعة هذا القانون هل هو عادي أم أساسي؟. هذا الفصل يحيل مبدئيا على القانون العادي و بالمقابل ينص الفصل 64 من المشروع في فقرته الثانية على أن تنظيم الإعلام و الصحافة والنشر يندرج ضمن المسائل التي تتخذ النصوص المتعلقة بها شكل قانون أساسي و في اعتقادنا فإن النص الذي سينظم هذه هيئة التعديلية يتعلق قطعا بتنظيم الإعلام. و سواء كان هذا القانون عاديا أو أساسيا، والأفضل من زاوية حماية حرية الإعلام أن يكون قانونا أساسيا، فالمأمول هو أن يتدارك المناطق الرمادية لنص مشروع الدستور و أن يمكن الهيئات الممثلة لأطراف القطاع الإعلامي على الأقل من الترشيح أو الاقتراح، و لكن لا شيء يضمن هذا البعد التمثيلي التشاركي اليوم في محتويات باب الهيئات الدستورية من مشروع الدستور. و لذلك نجدد اقتراحنا بحذف الصيغة العامة الواردة بالفصل122 والتي تنص على أن الهيئات "تنتخب من قبل مجلس نواب الشعب" وترك تحديد طريقة تعيين أعضاء كل هيئة للفصل الخاص بها نظرا لخصوصيات كل واحدة منها.مع تكريس البعد التشاركي بوضوح في الفصل 122. ب – اختصاصات مثيرة للخشية وقعت في هذا المشروع المحافظة كذلك على تسمية الهيئة ب ”هيئة الإعلام“ كما هو الحال في الصيغ السابقة لمشروع الدستور وهو ما يعني بأن مجال تدخلها واسع جدا يشمل كل أصناف الإعلام المكتوب و السمعي البصري و الإلكتروني و هذا ما يخالف ما هو معمول به في الدول و الأنظمة الديمقراطية إذ لا وجود لهيئة مماثلة تشمل جميع أصناف الإعلام في الدول الديمقراطية و حتى غير الديمقراطية في العالم على حد علمنا. فالإعلام المكتوب في الدول ذات التقاليد الديمقراطية يقوم على التعديل الذاتي أو تتولاه مجالس صحافة ذات تركيبة تكتسي صبغة تشاركية قوية. أما الهيئات التعديلية فنجدها عموما منفصلة و منقسمة إلى صنفين : - هيئة تختص بتعديل الاتصال السمعي والبصري - وأخرى تعنى بالاتصالات والإعلام الإلكتروني و من جهة أخرى فإن هذه التسمية تهمل البعد الاتصالي في حين أن الاتصال أشمل من الإعلام و أكثر التصاقا بالتطور و الواقع المعاصران للقطاع. وهكذا يبدو الخيار الوارد بالمشروع كما كان الأمر في المسودات السابقة مخالفا للمعمول به في العالم ولا يخلو من المخاطر على نجاعة ومهنية العملية التعديلية و على حرية الإعلام و الاتصال نفسه خاصة إذا لم تقع مراجعة طريقة التعيين المقترحة في المشروع. و لذلك نعتقد أنه من الضروري مراجعة تسمية الهيئة لتصبح "هيئة الاتصال السمعي البصري" على شاكلة ما هو معمول به في أغلب الأنظمة الديمقراطية في العالم. كما نقترح حصر مجال اختصاص الهيئة في القطاع السمعي البصري من جهة و توسيعه من جهة أخرى من خلال تعويض لفظة الإعلام بلفظة الاتصال. من جهة أخرى نلاحظ تواصل عدم التنصيص صراحة على تمتع الهيئة بسلطة اتخاذ القرار لكن المشروع الجديد كسابقه اكتفى في الفقرة الثانية من الفصل 124 على التنصيص على وظيفتها الاستشارية الوجوبية فيما يتعلق بمشاريع القوانين ذات الصلة بمجال اختصاصها وهو ما يعني تغليب البعد الإستشاري وعدم الرغبة في جعلها هيئة تعديلية بأتم معنى الكلمة بما أنها لا تتمتع صراحة بسلطة ترتيبية ولا حتى بالوظيفة الاستشارية في ما يتعلق بالنصوص الترتيبية ناهيك عن التمتع بسلطة القرار. ويخشى أن يؤدي ذلك إلى جعلها هيئة ضعيفة خاضعة ومقيدة بما تحدده لها السلطة التنفيذية من خلال السلطة الترتيبية التي تدخل من خلالها في عمل الهيئة وهو ما يعني تحجيما وإضعافا للتعديل المستقل. و في هذا الصدد يبدو من الضروري التأكيد على أن التعديل لا معنى له بدون سلطة اتخاذ القرار وبدون سلطة ترتيبية للهيئة في مجال اختصاصها و نقترح بالتالي من جديد أن تكون صياغة الفقرة الأولى من الفصل 124 كما يلي: تتولى هيئة الاتصال السمعي البصري تعديل قطاع الاتصال السمعي البصري و تضمن حرية التعبير و الإعلام والاتصال وحق النفاذ إلى المعلومة وإرساء مشهد إعلامي واتصالي سمعي بصري تعددي ونزيه. تتمتع الهيئة بالسلطة الترتيبية في مجال اختصاصها وتستشار وجوبا في ما يتعلق بالنصوص التشريعية ذات الصلة مقترحات يمكن حوصلة مقترحات تحسين النص في ما يلي: - مراجعة تسمية الهيئة بحيث تصبح هيئة الاتصال السمعي البصري - مراجعة طريقة التعيين وتدقيقها بما يضمن تشريك جميع الأطراف المعنية ويحد من مخاطر التسييس مع إرساء مبدإ الفصل بين سلطات الاقتراح وسلطات الانتخاب أو التعيين. - تعويض لفظة الإعلام بلفظة الاتصال - التنصيص صراحة على تمتع الهيئة بسلطة اتخاذ القرار وبالسلطة الترتيبية قي مجال اختصاصها لأن في ذلك ضمانة أقوى لحماية حرية الإعلام من مخاطر الانتكاس. *أستاذ القانون العام المبرز عضو الهيئة المديرة للجمعية التونسية للقانون الدستوري عضو مؤسس بجمعية البحوث من أجل الانتقال الديمقراطي