عاجل/ الداخلية تعلن جملة من الإجراءات الهامة..    الكشف عن مذبح عشوائي للدواجن بهذه المنطقة..وحجز 480 كغ من الدجاج المذبوح..    مفاجأة من ريال مدريد    باكالوريا 2024 : ضبط 17 حالة غش في مركز واحد لإمتحانات وإحالة مراقبيه على التحقيق    لقاح للقضاء على السرطان ماالقصة ؟    الرابطة الأولى: تعيينات مقابلات الجولة الختامية لمرحلة تفادي النزول    مفزع/ حوادث: 18 حالة وفاة خلال 24 ساعة..    المتلوي: تفكيك وفاق مختص في ترويج المخدرات وحجز 1170 قرص "اكستازي"    فظيع/ هلال شابة بصعقة كهربائية..وهذه التفاصيل..    أرسين فينغر يشرف على دورة تكوينية للمدربين    خبير في الموارد المائية يدعو لإحداث وزارة للماء    وفاة سمير حمزة مدير المعهد الوطني للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا    عاجل: إستنطاق عبير موسي في قضيّتين جديدتين    العاصمة : جلسة عمل للنظر في إستعدادات عيد الإضحى    beIN SPORTS تقدم تغطية استثنائية لبطولة أمم أوروبا لكرة القدم 2024 مع أكثر من 50 ساعة من التغطية اليومية    في حادثة صادمة: سيجارة إلكترونية تتسبب في انفجار رئة مراهقة..!!    إحداث 276 نقطة حراسة و تعيين 152 عون إشراف لحراسة الشواطئ    تونس: إقبال كثيف على أضاحي العيد بالميزان    حرارة تصل إلى 45 درجة في هذه المناطق من البلاد    عاجل/ إندلاع حريق بجبل النحلي..    خبر غير سار لأحباء لاعبة التنس أنس جابر    إيطاليا تهزم البوسنة 1-صفر في المباراة الودية الأخيرة لها قبل بطولة أوروبا    شركة "ميتا" تطلق ميزة جديدة للمحادثات عبر "ماسنجر"    موسم الحج: استقبال 3 رحلات للحجيج ضمن خدمة طريق مكة بمطار الملك عبد العزيز    الانتخابات الأوروبية: فوز اليمين المتطرف الإيطالي بزعامة ميلوني    ربع أطفال العالم دون سن ال5 يعيشون ''فقرا غذائيا حادا''    عاجل/مصطفى عبد الكبير يكشف أسباب تأجيل فتح معبر راس جدير..    نزل البحيرة بالعاصمة : تم الإتفاق بين جميع الأطراف..مندوب السياحة يوضح    اليوم: انخفاض مرتقب في درجات الحرارة    مسؤولون تونسيون وليبيون يبحثون إعادة فتح معبر رأس جدير وتسهيل العبور..    قطاع التامين: أقساط صافية ب 1148.2 مليون دينار في الربع الأول من العام    فرنسا تتعادل سلبيّا مع كندا في اختبارها الأخير لكأس أوروبا    نسبة الفائدة أعلى من نسبة التضخم !... من يتحكّم في قرارات البنك المركزي ؟    جندوبة ...احتراق 1500 هكتار سنة 2023 ..حتى لا تتنفس الغابات ... دخانا    النائب محمد علي ل«الشروق»...نعدّ مقترحا للتداول على رئاسة البرلمان    مع الشروق .. قرطاج .. وأسوار الصين    بعد انسلاخ غانتس عن نتنياهو...حكومة الدم تنهار    فيما 144 ألف تلميذ يجتازون امتحانات الباكالوريا ...هل أصبح التوجيه الجامعي عنوانا لفشل التعليم العالي ؟    قصّة قصيرة    الذات السطحيّة والطفولة المعطوبة    تجاوز عمر بعضها النصف قرن ومازالت متخلّفة...المهرجانات الصيفية بأي حال تعود؟    مع الشروق .. قرطاج .. وأسوار الصين    مراد الحطاب.. الدبلوماسية الاقتصادية تتحرّك لاستقطاب التمويلات    تعرف على 20 عيباً تمنع ذبح الأضحية    تصفيات كأس العالم: المُنتخب الوطني يتعادل مع ناميبيا    عيد الأضحى 2024 : دول تحتفل الأحد وأخرى الاثنين    هل يخفّض البنك المركزي نسبة الفائدة المديرية في الوقت الراهن: محلّل مالي يوضّح..    معرض صفاقس الدولي الدورة 58 من 21 جوان الى 7 جويلية    الصحة العالمية تدعو للاستعداد لاحتمال تفشي وباء جديد    الفلبين: تحظر واردات الدواجن من أستراليا لهذه الأسباب    علي مرابط يشيد بدور الخبرات والكفاءات التونسية في مجال أمراض القلب والشرايين    مريم بن مامي: ''المهزلة الّي صارت في دبي اتكشفت''    الإعلان عن موعد عيد الاضحى.. هذه الدول التي خالفت السعودية    تطاوين : بدء الاستعدادات لتنظيم الدورة السابعة للمهرجان الدولي للمونودراما وإسبانيا ضيف شرف    هند صبري تلفت الأنظار في النسخة العربية لمسلسل عالمي    مُفتي الجمهورية : عيد الإضحى يوم الأحد 16 جوان    عاجل/ قرار قضائي بمنع حفل "تذكّر ذكرى" المبرمج الليلة    اليوم رصد هلال شهر ذي الحجة 1445    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل نحن مخيرون أم مسيرون في تقرير مصير تونس؟ (2-2)
رأي :ربيع عربي أم فوضى خلاقة؟
نشر في الصباح يوم 25 - 06 - 2013

فقد أدركت بعض دوائر التخطيط الإستراتيجي في الغرب أن أكبرخطأ ارتكبته الولايات المتحدة منذ أن أصبح الإسلام الشمولي بعد أحداث سبتمبر 2001
"العدو الإستراتيجي"،هومواجهة ذلك التيار بالقوة التقليدية العسكرية والسياسية، وان الأجدر بواشنطن هو العمل على تدميره المنهجي من الداخل عبر تغذية التوتر والفرقة والنزاعات العرقية والمذهبية وعبر التسلل إلى مراكز النفوذ والتودد لها وإغراءها بالجاه والسلطة والمال لكسب ثقتها... قبل الإجهاز عليها،مثلما حدث مع المعسكر الشيوعي الذي انهار وتفكك في عهد "بريسترويكا" غورباشوف دون أن يطلق المعسكر الأطلسي رصاصة واحدة.
وترى وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة "كوندوليزارايس"، وهي إحدى منظرات المحافظين الجدد أن الولايات المتحدة عملت على مدى أكثر من ستين عاماً مضت على تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط على حساب الديمقراطية،لكنها لم تحقق لا الإستقرار ولا الديمقراطية. والآن تتبنى واشنطن نهجاً مختلفاً لخلق الديمقراطية الأمريكية المنشودة في الدول العربية التي اجتاحتها ثورات شعبية! واعتبرت رايس أن أحداث ما سمي بالربيع العربي والفوضى التي أفرزها تطلع الشعوب نحوالحرية والتحول الديمقراطي هي من نوع "الفوضى الخلاقة" التي قد تنتج في النهاية وضعاً أفضل مما تعيشه المنطقة حالياً.ولم تحدد السيدة رايس أفضل لمن؟ لشعوب المنطقة أم للولايات المتحدة؟!
ويعتبر"روبرت ساتلوف"المديرالتنفيذي لمؤسسة"واشنطن لسياسات الشرق الأوسط" وهي مؤسسة صهيونية محافظة تروج بحماسة لنظرية الفوضى الخلاقة وتدعو إلى تفتيت دول المنطقة ورسم خارطة جديدة للشرق الأوسط على أساس عرقي ومذهبي واقتصادي، أن إلحاق كلمة "الخلاقة" كصفة للفوضى، يدل على أن المطلوب هو نوع من الفوضى التي تريدها وتتحكم في خيوطها واشنطن،وليست الفوضى بالمعنى المطلق،أي أن الفوضى ليست هي الغاية ولانهاية المطاف،بل هي حالة انتقالية مؤقتة تؤدي إلى حالة ملائمة دائمة. ويرى سات لوف أن الفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط تقاس على مسطرة المصالح الأمريكية وتأمين الأهداف الإستراتيجية الحيوية للولايات المتحدة في تلك الدول.
«الربيع العربي» بداية حقبة أمريكية؟
وعلى الجانب الآخر، يؤكد زبيغنياف بريجنسكي مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس كارتر وأحد أبرز منظري حقبة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي على ضرورة التعامل مع التقاليد الإسلامية،والموروث الثقافي للبلدان العربية بصبرو"احترام"،قبل الإقرار أنه قد آن أوان الديمقراطية في العالم العربي، وأن "الربيع العربي" قد يكون بداية هذه الحقبة الجديدة. و"الإحترام" هنا ربما يعني القبول بأن تلك الدول ليست مؤهلة بعد لا سياسيا ولا اجتماعيا ولا حضاريا لخوض غمار التجربة الديمقراطية والدولة المدنية والتداول السلمي على السلطة عبر صناديق الإقتراع.
ويرى بريجنسكي أن إحداث التغيير في بعض دول الشرق الأوسط، مثل تونس ومصر،يمثل مهمة أكثرتعقيداً وصعوبة من إعمار وإصلاح دول أوروبا بعد الحربين العالميتين أو سقوط جدار برلين، وهو مصيب في ذلك تماما.
فلا أحد بوسعه أن ينكر أن الإصلاح الاجتماعي والسياسي لمجتمعات أوروبا الغربية بعد 1945، ولدول أوروبا الشرقية والإتحاد السوفياتي بعد سقوط حلف وارصو عام 1990، والتي تتقاسم معها أمريكا القيم والدين والمرجعيات التاريخية والحضارية... يظل أسهل بكثير من التغيير السياسي والاجتماعي الجذري في بلدان العالم العربي التي تعتبر واشنطن معظمها معاديا لها ولمصالحها ولا تربطها بشعوبها أي ثقة متبادلة أو قواسم تاريخية أو حضارية مشتركة، سوى الهيمنة التى تفرضها أمريكا عليها لضمان التفوق العسكري والإستراتيجي لإسرائيل وانسياب الحصول على موارد الطاقة، ولمقاومة الإرهاب منذ أحداث 2001.
لذا، فإن الولايات المتحدة والدول الغربية عموما لم تبذل جهدا يذكر لإغاثة دول الربيع العربي ومساعدتها على تحقيق أهداف ثوراتها وإنجاز تحولها الديمقراطي للإلتحاق بركب "العالم الحر"، مثلما وضعت "مخطط مارشال" بعد الحرب العالمية الثانية لإعمار أوروبا الغربية، وأنشأت بنوك الإعمار والتنمية لانتشال دول أوروبا الشرقية من الفقر والتهميش وإلحاقها في غضون سنوات قليلة بركب الإتحاد بعد إجرائها إصلاحات سياسية وإقتصادية جذرية، حتى أن بعضها اليوم متفوق في الآداء والنتائج على العديد من الدول الغربية.
وقد اكتفت الولايات المتحدة ودول الإتحاد الأوروبي ومعظم ما يسمى ب"الدول المانحة"، بما فيها بعض الدول العربية النفطية الحليفة لواشنطن، بالتصفيق بحماس لا يخلو من نفاق ورياء للربيع العربي والإشادة المبالغ فيها أحيانا، بما أنجزه التونسيون والمصريون... في التخلص من أنظمة الإستبداد والفساد. لكن عندما تعلق الأمر بتوفير الموارد المالية لدول استنزفها الحكم الفاسد وسوء الإدارة وأنهكت شعوبها بدعم من أمريكا نفسها لأنظمة الفساد والإستبداد التى كانت تحكمها لعقود، تخاذلت واشنطن وحلفاؤها وأداروا ظهورهم "للربيع العربي"، لا بل إنهم تركوا الحكومات "الإسلامية" المنتخَبة تتخبط في عجز مالي مفزع ورموا بها في أحضان صندوق النقد الدولي... وللتذكير، فإن السيد الباجي قائد السبسي عاد عام 2011 من قمة دوفيل للدول الثماني المصنعة بوعود مالية لتونس ناهزت 20 مليار دولار لعشر سنوات، فأين هي ولماذا تبخرت؟
وبالنظر إلى ما يجري حولنا من أحداث وهزات، سيما في ليبيا وجنوبي الصحراء، وإلى التصدع الخطير الذي يسود الساحة السياسية المصرية، والحرب الأهلية الطاحنة في سوريا وما أفرزته من توترعقائدي وطائفي مرعب بين السنة والشيعة...وأخيرا الإضطرابات السياسية والإجتماعية التي زعزعت عرش رجب طيب أردوغان وباتت تهدد بنسف "معجزة التجربة الإسلامية التركية"، لا يبدو إطلاقا أن نظرية "الفوضى" سواء كانت خلاقة أو مدمرة، مجانبة للواقع المضطر بالسائد اليوم في المنطقة التي تسميها دوائر التخطيط الإستراتيجي في الغرب ب"MENA"، أو الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إذ أن بعض دول هذه المنطقة، مثل ليبيا، وبدرجة أقل مصر وتونس، هي اليوم "دول فاشلة" بأتم معنى الكلمة.
كما أن الأوضاع الإقتصادية المتردية وافتقار دول "الربيع العربي" إلى الحد الأدنى من الموارد المالية الذي يمكنها من تلبية الإحتياجات الملحة لشعوبها في الأمن والتنمية والإعمار دفع بها إلى أحضان المؤسسات النقدية الدولية الغائبة منذ مدة على الساحة العربية، والتي سجلت عودة قوية لبسط نفوذها وهيمنتهاعلى سياسات هذه الدول مقابل مدها بقروض بشروط مجحفة والحيلولة دون إفلاسها، وما يترتب عن ذلك من التزامات مهينة وأعباء تثقل كاهل مسيرتها الإنمائية وتخل بتوازناتها الإقتصادية والمالية. وكأن هذه البلدان لم تختبر التعاون الوثيق مع صندوق النقد والبنك العالمي لسنوات في السبعينات والثمانينات، وكانت النتيجة المزيد من الفشل ومن الديون ومن العجز...ومن الإضطرابات الإجتماعية؟
إن الأوضاع السائدة اليوم في كل من تونس ومصر تبين بما لا يدعو مجالا للريبة، أن التيارات الإسلامية، سيما حركتا النهضة والإخوان المسلمين سقطتا بسهولة مثيرة لكثير من التساؤلات في شراك من دفع بهما إلى تولي "السلطة" بإقدامهما دون تردد على تنظيم الإنتخابات واستلام مقاليد الحكم والإستسلام لإغراءاته.
فلا حركة النهضة ولا حركة الإخوان كانتا مهيأتين لتولي مقاليد الحكم بعد الثورة لمواجهة تحديات الأمن والعدالة والتنمية والتشغيل ومعالجة الفقر والفصل بين الدين والسياسة...لا من حيث السياسات ولا البرامج ولا الإدارة ولا حتى توفر ما يكفي من الكفاءات القادرة على إدارة الشأن العام،سيما أنه كان هناك داخل النهضة وبين الإخوان المسلمين تيار رصين وواع بالرهانات والحسابات الدولية وبقواعد لعبة "صراع الحضارات" و"الفوضى الخلاقة"، يعتبر أن تسرع الإسلاميين في تولي الحكم بعد الثورات الشعبية خطأ تاريخي جسيم وباهض الثمن، وأنه كان أجدر بهم وأنفع لهم ولبلدانهم بناء قدراتهم الذاتية واجتناب تصدر الواجهات السياسية وتحمل قيادة الفترات الإنتقالية بكل ما يسودها من فوضى واحتقان وتحديات...وترك مقاليد الأمور خلال الفترة الإنتقالية لحكومات توافقية غير مسيسة في انتظار استتباب الأمن وبناء هياكل و مؤسسات الدولة.
فهل ما زال أمام التيارات السياسية التونسية، سيما حركة النهضة، مجال للتدارك والتصدي للأجندات والمخططات المشبوهة من أجل تعزيز المناعة الداخلية للبلاد وترسيخ التوافق الوطني حول ثوابت لا تراجع عنها سيما فيما يتعلق بأمن البلاد والنمط الإجتماعي الوسطي الذي يريده التونسيون، وجبر الأضرار السياسية التي ألحقتها بها الفترة الإنتقالية،من أجل الوصول إلى الإنتخابات المقبلة بعقلية جديدة وثقة أكبر في النفس،والمنافسة على حكم البلاد وفق برامج وإمكانيات معروفة مسبقا للتونسيين وتحالفات قائمة في كنف التوافق والشفافية بعيدا عن إغراءات المحاصصة وتشكيل الأغلبيات غير المتجانسة؟
أم أن "الفأس وقعت في الرأس"بحيث فات أوان التدارك وسيجدالتونسيون أنفسهم مجبرين، إن عاجلا أم آجلا، على فرض إرادتهمعلى الجميع ليصححوا المسار ويستعيدوا ثورتهم التي أجهضتها الحسابات الضيقة والتجاذبات الداخلية العقيمة والأجندات الخارجية؟ من أجل حماية الدولة وتعزيز مناعة الوطن سواء ضد "الفوضى الخلاقة" المستوردة أو ضد الفوضى الهدامة محلية الصنع والتي بدأت تنخر كينونة الدولة وتهدد لحمة التونسيين.
(*) إعلامي تونسي
يعيش في قطر (مدير قناة الجزيرة للأطفال سابقا)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.