قراءات مختلفة تلك التي راجت خلال الاربع والعشرين ساعة الاخيرة بعد التحولات العميقة التي عرفها الساحة السياسية، تحولات بدات باعلان الجنرال رشيد عمار عن استقالته من مهامه العسكرية لتلاحقها الاحداث بسقوط لائحة اعفاء الرئيس منصف المرزوقي من رئاسة الجمهورية بعد سحب اربعة اعضاء لامضاءاتهم من الوثيقة المقدمة لرئاسة المجلس. ولئن تبدو العلاقة بين الملفين بعيدة ولا تقاطع بينهما ظاهريا الا ان عمق العملية السياسية عكس ذلك تماما , ليتاكد بما لا يرتقي للشك عن متانة الرابط الثاني بالاول أي (انسحاب النواب الاربعة) و(استقالة الجنرال). وتاتي هذه التحولات مع استعداد المجلس الوطني التأسيسي وخلال جلسة عامة لطرح ابرز ملف سياسي يتعلق بلائحة الاعفاء التي كانت المعارضة قد دعت اليه في وقت سابق بعد الهجوم المجاني الذي قاده المرزوقي ضدها من العاصمة القطرية الدوحة. ووصف العديد من المتابعين انسحاب النواب الاربعة "قطع الطريق امام حركة النهضة وحرمها من وضع يدها على المؤسسة العسكرية بعد استقالة الجنرال وامكانية التدخل في تعيين شخصية عسكرية اخرى تكون قريبة من الحركة وهو ما من شانه ان يثًًَََُبت ما كان اشار اليه رئيس الحركة راشد الغنوشي في وقت سابق حينما اعتبر ان الجيش والامن والاعلام غير مضمونين". وقد أسهمت خطوة النواب الساحبين لإمضاءاتهم من لائحة الاعفاء من اعطاء المرزوقي جرعة جديدة من "الاكسجين" السياسي الذي انعش اماله في البقاء على راس مؤسسة الرئاسة الى حين انعقاد الانتخابات القادمة. ويبدو ان ما دفع بالنواب للانسحاب هو قراءتهم العميقة لاحتمال مراوغة النهضة والتصويت "بنعم" لاعفاء المرزوقي كعقاب له على مساندته لخيارات كثيرا ما كانت "ضد " رؤى الحركة كالمسودة الأخيرة للدستور وتعهد المرزوقي بعدم الإمضاء عليها في صياغتها الحالية. وعن الاسباب الحقيقية لسحب الامضاءات من لائحة الاعفاء بين هشام حسني في تصريح ل"الصباح" ان ما اقدم عليه النواب الساحبين لامضاءاتهم ياتي مراعاة للمصلحة الوطنية للبلاد والمرحلة الدقيقة التي تمر بها تونس من ارهاب ومناقشة الدستور الذي تسعى بعض الاطراف الى المقايضة السياسية من خلاله." واضاف حسني ان الجو ملائم للبحث عن مقدمات حقيقية للتوافقات الوطنية وحتى نبعد الراي العام عن امور ثانوية." وعن علاقة الانسحابات من اللائحة واستقالة رشيد عمار رد هشام حسني بالقول " لقد شجعنا تصريح السيد رشيد عمار على الانسحاب فعلا لانه اقدم على استقالة دون مبرارات حقيقية وهو ما من شانه ان يزيد من التخوفات لو اقدمنا على اعفاء السيد رئيس الجمهورية الذي من الممكن ان يغادر قصره بقرطاج لو عرضت اللائحة على الجلسة العامة وتصويت النهضة الى جانب المعارضة على ذلك". من الجنرال إلى السياسي!!! من جهته أكّد النّائب عن حركة النّهضة وليد البناني في تصريح ل"جدل"، "أنّ مطالبة رئيس أركان الجيوش الثلاثة رشيد عمار بإنهاء مهامّه بسبب تجاوزه لسنّ التّقاعد، هو أمرٌ معقولٌ". ولم ير البناني في تصريح رشيد عمار أيّة خلفيّة أو ضغوطات تذكر، حيثُ أضاف قائلا "من حقّة بعد أن يغادر المُؤسّسة العسكريّة، أن يلعب أيّ دور سياسيّ أو مدني، حسب إرادته، خاصّة وأنّه رجل يتمتّع بالكفاءة وله القدرة على تقديم الإضافة للوطن من أي موقع قيادي يختاره، ونحن بحاجة لذلك". ويتقاطع موقف البناني مع موقف المحلل السياسي صافي سعيد الذي اكد في حوار لاذاعة "شمس اف ام" ان رشيد عمار لن يستقيل من الحياة السياسية بل انه مهد الطريق ليتحول من جنرال عسكري الى رئيس دولة مدني.