◄ الأمريكيون يتساءلون: ماذا لو لجأ سنودن إلى ايران أو كوريا الشمالية؟ سان انطونيو تكساس: آسيا العتروس أكثر من ألفي صحفي اجتمعوا على مدى ثلاثة أيام بين 20 و23 جوان في مؤتمر تكساس السنوي في دورته للصحافة الاستقصائية بمشاركة أبرز الأسماء في المؤسسات الإعلامية والجامعات الامريكية بينها على سبيل الذكر»واشنطن بوست»، «وول ستريت جورنال»، «بوستن غلوب»، «سي ان ان» وغيرها، الى جانب اعلاميين من 22 بلدا من مختلف القارات بينها خمس دول عربية (تونس والاردن وفلسطين والمغرب والجزائر)، وشملت نحو مائة ورشة حول واقع الصحافة الاستقصائية بمختلف التحديات والضغوطات المعلنة والخفية التي يمكن أن يواجهها الصحفيون الاستقصائيون في مختلف مراحل البحث عن الحقيقة، كلما تعلق الامر بالفساد المالي أوالسياسي وبكل أنواع المخاطر الاجتماعية من تجارة البشر الى المخدرات الى استغلال الأطفال وشبكات ترويج الأدوية الفاسدة ودور المؤسسات الخيرية في شبكات غسل الأموال وغير ذلك من القضايا التي سقطت معها كل الحطوط الحمراء وكل أنواع التابوهات عندما يتعلق الامر بالبحث عن الحقيقة. طبعا، ورغم أن الاهتمام بواقع الصحافة الاستقصائية في المكسيك استحوذ على الاهتمام بالنظر الى عدد الصحفيين الذين وقعت تصفيتهم من طرف شبكات المخدرات، فإن واقع الصحافة الاستقصائية في دول الربيع العربي كان له نصيبه من الاهتمام والنقاش في عديد الورشات بالنظر الى كل مختلف الضغوطات والممارسات التي يتعرض لها أهل القطاع في تونس ومصر بعد الثورة ومن محاولات لإعادة أحد أهم ضمانات نجاح الديموقراطية الى»بيت الطاعة» لخدمة السلطة الجديدة. فضيحة سنودن.. بين الوطنية والخيانة على أن المهم أن انعقاد مؤتمر تكساس للصحافة الاستقصائية يأتي في وقت تدخل فيها واحدة من اكثر القضايا التي استفردت باهتمام مختلف أنواع الصحافة الاستقصائية الالكترونية أو المكتوبة، منعرجا حاسما بعد أن تحولت في أعقاب شهر من اندلاعها، من فضيحة تجسس الاستخبارات الامريكية على مواطنيها، الى أزمة ديبلوماسية معقدة مرشحة لمزيد التصعيد بين الإدارة الامريكية ودول كبرى بينها روسيا والصين، الى جانب احتمال تدخل دول أخرى معادية تاريخيا للولايات المتحدة بينها كوبا والاكوادور وفنزويلا، كل ذلك مع ارتفاع وتيرة الحرب الكلامية والاتهامات بين الجانبين الأمريكي الرسمي والروسي الذي رفض تسليم المطلوب الأشهر لأمريكا سنودن. وقد بدأت عديد الأصوات في الإدارة الامريكية تتهم علنا الصين بالتورط في عدم الاستجابة لطلبها تسليمها مواطنها عون الاستخبارات السابق بدعوى عدم مطابقة الطلب الأمريكي للقوانين في مقاطعة هونغ كونغ، فيما لا تخفي مصادر أخرى مخاوفها من احتمال أن يتحول سنودن الى ورقة ابتزاز بين يدي رئيس فنزويلا أو كوبا أو الاكوادور لدفع أوباما الى بعض التنازلات خاصة بعد أن كشف وزير خارجية الاكوادور أن بلاده تلقت طلب لجوء سياسي منه.. كل ذلك، في الوقت الذي بدأت صحف أمريكية تتساءل: ماذا لو لجأ سنوسن الى ايران أو كوريا الشمالية؟ كما تتساءل عن حجم ومدى خطورة وأهمية المعلومات التي بحوزته والتي تمكن من الاطلاع عليها خلال الأشهر الست التي قضاها في صفوف الاستخبارات الامريكية. سؤال قسم الرأي العام الأمريكي وجعله في حالة جدل وتجاذب بشأن ما أقدم عليه سنوسن وانعكاساته على الامن الأمريكي وهو ما أكده مايكل ديموك مدير مركز بيو للأبحاث (pew research centre) والذي اعتبر أن الحسم في مسألة تتعلق بالحريات والامن على درجة من التعقيد بالنسبة للرأي العام الأمريكي الذي يقدس الحرية الفردية. وبحسب لغة الأرقام فإن 58 بالمائة من المستجوبين، جمهوريون وديموقراطيون، يؤيدون محاكمته بسبب التسريبات التي أقدم عليها وكشف معها أن الاستخبارات الامريكية لا تتجسس على الأجانب فقط ولكن أيضا على هواتف مواطنيها وأدق خصوصيات حياتهم، كما أن 47 بالمائة مقابل 48 بالمائة من الأمريكيين يعتبرون أن ما قامت به الاستخبارات الامريكية كانت لصالح الامن القومي وساعدت على احباط عمليات إرهابية. أوباما في قفص الاتهام بداية فضيحة سنودن انطلقت مع كشفه لصحيفتي «الغارديان» اللندنيةوال»واشنطن بوست» الأمريكية قبل شهر عن وجود عملية مراقبة ضخمة تقوم بها وكالة الاستخبارات على الاتصالات الهاتفية المحلية والدولية وبيانات الشبكات العنكبوتية الامر الذي دفع الاتحاد الأوروبي للمطالبة بتوضيحات من الإدارة الامريكية، وهو ما أوقع الرئيس الأمريكي باراك أوباما في احراج إزاء الرأي العام الأمريكي كما إزاء المسؤولين الأوروبيين واضطره للدفاع عن برنامج التجسس واصفا إياه بأنه «تجاوز متواضع» ولكنه ضروري لحماية الأمريكيين من الإرهاب. وحتى الان، فقد أسقطت الفضيحة بمدير وكالة الاستخبارات مايكل ميلر ليكون أول كبش فداء لسنودن. ولكن الجنرال كيث الكسندر مدير عام وكالة الأمن القومي الأمريكي والمسؤول عن برامج التجسس الألكتروني أكد احباط «عشرات الخطط الأرهابية» نتيجة استخدام برامج المراقبة الإلكترونية السرية. عملية مطارة سنودن التي تحولت الى مسلسل يومي في حياة الامريكية، توشك أن تستمر طويلا ومن سفارة الاكوادور في لندن التي يقبع فيها منذ عام، ندد مؤسس موقع ويكيليكس جوليان اسانج بتوجيه القضاء الامريكي اتهاما بالتجسس لسنودن، داعيا اي «بلد شجاع» لعرض منح اللجوء لهذا الناشط الأمريكي وهو ما قد يكون مؤشرا على أن الاكوادور قد تكون الملجأ القادم لسنودن الذي ترك هونغ كونغ الى مطار موسكو في انتظار بلد يؤويه. متاعب الاستخبارات الامريكية مع سنودن قد لا تتوقف قريبا فقد اختار المطارد الأول للأمريكيين خارج أمريكا مواصلة التحدي لسلطات بلاده، وفي مقابلة نشرت قبل مغادرته هونغ كونغ أكد مجددا أن الادارة الامريكية اخترقت انظمة شركات الهاتف الخلوي الصينية للتجسس على ملايين الرسائل النصية القصيرة. واضاف ان الولاياتالمتحدة اخترقت ايضا الانظمة المعلوماتية لجامعة تسينغهوا، وهي جامعة مرموقة في بيكين تخرج منها الرئيس السابق هو جنتاو وخلفه الرئيس الحالي شي جينبينغ، كما اخترقت شركة باكنيت التي تشغل الألياف البصرية في منطقة آسيا-المحيط الهادئ. وذهب سنودن الى حد اتهام «جهاز الامن القومي الامريكي بفعل شتى الامور، مثل قرصنة شركات الهاتف الخلوي الصينية لسرقة كل رسائلكم النصية القصيرة». ووجدت السلطات الصينية في ذلك ما يكفي لمهاجمة غريمها الأمريكي الذي ما فتئ يقيم الدنيا ولا يقعدها كلما تعلق الامر بالحريات وحقوق الانسان، ووصفت وكالة انباء الصين الجديدة الولاياتالمتحدة بأنها «اكبر نذل في عصرنا» في الهجمات المعلوماتية. الحريات والأمن القومي خيط رفيع ولكنه ليس بالامر المقنع للكثير من الامريكيين يفصل بين الحريات وبين المصلحة الأمنية.. خيط قد لا يكون له موقع لدى أنصار الحريات ولكنه كاف بالنسبة لعناصر الاستخبارات لوضع مخططاتهم للتجسس على المواطن قيد التنفيذ مسألة قد لا تفاجئ شعوب كثيرة كانت ولا تزال تخضع لاعين وكاميرات ومصالح البوليس السياسي بسبب آرائها ومواقفها. وهذا ما جعل انطوني كوديمان من مركز الدراسات الدولية الاستراتيجية يتوقع استحالة عودة سنودن الى أمريكا معتبرا ان المسألة تتعلق بالحريات الخاصة وحرية التعبير وحقوق الانسان ولا يمكن النظر لها كجريمة... المثير فعلا أنه وفي الوقت الذي كان الفايسبوك في تفاعل مثير بعد تصريحات الجنرال رشيد عمار قائد اركان الجيوش الثلاثة وأخبار استقالته المتداولة، كانت اغلب المصادر الامريكية بدورها ترصد أخبار تحركات سنودن المطارد في رحلة اللجوء من هونغ الى موسكو في انتظار مقر نهائي.. مقاربة غريبة طبعا ولكنها ربما تعكس عالمنا الجديد اليوم بين المخاطر الأمنية المتفاقمة وبين الحريات المهددة... فهل تذهب أمريكا الى حد محاكمة سنودن عونها الذي رفض التجسس على مواطنيه؟ الجواب مرتبط حتما بحقيقة وحجم ما يملكه عون الاستخبارات المتمرد من معلومات وملفات يمكن أن تشكل خطرا حقيقيا على مصالحها الأمنية...