تحل بعد أسبوعين تقريبا ذكرى أليمة جدا لإحدى الجرائم الشنيعة للعهد البغيض البائد وهي جريمة مقتل الشاب المهندس الأول والباحث و«عبقري الانترنيت» مروان بن زينب الذي قتل تحت التعذيب اللاإنساني في غياهب أقبية وزارة الداخلية ثم ألقيت جثته فوق السكة الحديدية بحمام الأنف يوم 21 جويلية 1989 بعد أن اتهم بأنه تمكن من الدخول إلى المنظومة الإعلامية لرئيس الجمهورية والاطلاع على بعض المعلومات ومن بينها «أسرار» حول تعامل الرئيس المخلوع مع المخابرات الإسرائيلية الموساد وتورطه في مقتل «ابو جهاد». في ذلك الوقت كان حامد القروي الذي عاد اليوم إلى الساحة وبقوة كجامع لشمل الدستوريين متغافلا ومغافلا عن ماضيه التجمعي أو بالأحرى «البنعلي الطرابلسي» كان وزيرا للعدل ولما سئل مؤخرا عن هذه القضية أجاب بأنه.. «لا علم له بها إطلاقا» ! إن هذه الجريمة ما هي في واقع الأمر إلا عينة من سلسلة طويلة عريضة من الجرائم المماثلة التي لا تقل كل واحدة منها فظاعة عن الأخرى والتي رافقتها جرائم الفساد المالي والاعتداء على تراث البلاد وآثارها. إلا أن ذاكرة كل من عملوا مع بن علي تبدو اليوم وبعد عامين ونصف من رحيله قصيرة جدا إن لم تكن مفقودة تماما. فبعد أن تواروا عن الأنظار بعد الثورة مباشرة وأعلن بعضهم «تطليق» السياسة ومن بينهم حامد القروي الذي اعتلى الوزارة الأولى لعقد من الزمان وناب «رئيس التجمع» الى حد وقت قريب من سقوط عرشه، ها هم يعودون الواحد بعد الآخر في ثوب «المنقذين» بعد ان اطمأنوا إلى السلامة وبعد ان شجعتهم «اللخبطة» الحالية على ارتداء عباءة ذوي التجربة والكفاءة. ولكن ما قد يكون شجعهم أكثر هو هذا الصراع الخفي بين النهضة التي تريد «رسكلة» البعض منهم وبين شق كبير من المعارضة الذي يبدي عبر تصديه «من حيث المبدأ» لقانون تحصين الثورة تحالفا ضمنيا معهم ومغازلة صريحة لهم. فلئن كان الشعب التونسي سيعرف «ثورة ثانية» فلن تكون لنفس الأسباب التي وقفت أمام «ثورة انقلاب» مصر ولا بإقصاء التجمع رغم قوة الإضرار la capacité de nuisance التي مازال يتمتع بها أزلامه بل بعودته من النافذة عبر رموزه الفاعلة في منظومة الفساد والقهر والإجرام السابقة بعد أن اطرده الشعب شر طردة وأرسله إلى مزبلة التاريخ.