في مثل هذا اليوم من سنة 1957 ألغى نواب المجلس التأسيسي لدولة تونس الجديدة، دولة الاستقلال النظام الملكي ليرسوا النظام الجمهوري على أنقاضه ويرفعوا الشعب التونسي من منزلة الرعية الخانعة المحكومة إلى مرتبة المواطن الممسك بمقاليد مصيره. فالقيم التي ترتكز عليها على الاقل نظريا الجمهورية توجد في اعلاها المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات وامام القانون وتفترض من الحكام السعي المتواصل ل»سعادة» الشعب عبر الرفع التدريجي من مستواه الفكري والمادي. وهو ما يمكن القول اليوم ان دولة الاستقلال نجحت فيه الى حد بعيد في عشريتيها الأوليين وأنها كانت أهلا للامانة التي تقلدتها وان جيل الاستقلال الذي بنيت على سواعده الدولة الناشئة كان في منتهى الامانة والمسؤولية. فالبعد الزمني يسمح اليوم باصدار حكم موضوعي ونزيه على تلك الحقبة من تاريخنا يرتكز على تقييم الظروف المميزة لتلك الفترة، فترة البدايات الصعبة وعلى معطياتها الخاصة وأبرزها انتشار الجهل والفاقة وخصوصا عقلية الرضى بالدون على نطاق واسع في صفوف الشعب. وللاسف فان قسما هاما من هذا الجيل الذي انضاف اليه جيل جديد نجد في مقدمته الصياح ومزالي وبلخوجة وقيقة تميز بقصور كبير في فهم رهانات ومتطلبات المرحلة الثانية من بناء الجمهورية. فكان ان عشنا مهازل وأخطار المرحلة الاخيرة من حكم بورقيبة التي افضت الى «جملوكية» بن علي و»قبيلته» المتميزة بحكم مافيوزي فاسد هدد اسس الجمهورية ذاتها وكان شبيها بذلك السائد منذ عقود في اشد «جمهوريات الموز» تخلفا. وان الثورة فتحت لنا باب الامل اليوم لتولي بناء المرحلة الثانية المعلّقة منذ وقت طويل منذ مطلع الثمانينيات من الصرح الجمهوري تلك المتميزة بسيادة القانون وعلويته وتساوي جميع المواطنين امامه وبتحقيق الشفافية والمشاركة العامة في مناقشة القرارات واخذها والتداول السلمي على الحكم. ان مثل هذا «البرنامج» لا يقل طموحا عن ذلك الذي نجح في تحقيقه «الآباء المؤسسون» للجمهورية وكادت تقضي عليه عصابة بن علي فهل ترتقي الطبقة السياسية الحالية الى مستوى مثل هذا التحدي ام ستعرف بلادنا مرة اخرى «موعدا ضائعا» مع التاريخ بجريرة «نخبها».