أشارت بعض الأطراف المطلعة عقب تصريحات وزير الداخلية لطفي بن جدو مؤخرا حول مقتل الشهيد محمد البراهمي الى أن وزارة الداخلية قد تكون مخترقة كما وصفوا تصريحات وزير الداخلية "بالهزلية" وهدفها امتصاص غضب الشارع في ذلك الوقت. ويجد هذا الطرح مرتكزه في تصريحات بن جدو التي بدا عليها وفقا للبعض الارتباك كما أن بعض المعلومات التي ساقها على غرار أن المتهم في مقتل الشهيد محمد البراهمي كان محل تتبع ورغم ذلك لم يتم إلقاء القبض عليه ساهم في تغذية الغموض. وزادت الطين بلة تصريحات ماهر زيد الصحفي بمعهد الدراسات الاستراتيجية للأمن والأزمات حيث أكد في تصريح إعلامي أن تأكيد وزارة الداخلية أن المتهمين في عملية اغتيال الشهيد شكري بلعيد هم أنفسهم الذين قاموا باغتيال الشهيد محمد البراهمي محاولة منها لتلميع صورتها وإظهار تقدمها في التحقيقات. كما بين الصحفي أن تقرير الاختبار الباليستي للرصاصات التي أصابت الشهيد شكري بلعيد لم تصل من المختبر الهولندي إلى وزارة الداخلية إلا منذ أسبوعين متسائلا عن قدرة توصل الجهات المختصة في التعرف على نوعية السلاح والرصاصات التي اغتيل بها البراهمي. زد على ذلك التعامل الأمني الغاشم مع المعتصمين في باردو رغم أن وزير الداخلية أمر بان يعامل المحتجون بكل احترام مع عدم استعمال الغاز المسيل للدموع وهو ما يدفع إلى التساؤل: هل أن الوزارة مخترقة ؟ هل يصح الحديث عن أمن مواز؟؟ الولاءات لا غير تعليقا على هذا الموضوع يعتبر عماد بالحاج خليفة الناطق الرسمي باسم الاتحاد الوطني لنقابات قوات الامن التونسي في تصريح ل "الصباح" انه لا يمكن أن يكون هنالك أمن مواز. وقال :"لن نسمح أو نقبل بذلك" مشيرا في المقابل الى ان وزارة الداخلية كباقي الوزارات تعاني من معضلة الولاءات وسياسة التقرب. وأضاف بلحاج خليفة أن الحل لا يكمن في المطالبة بنقلة مديرين عامين على أساس أنهم موالون وإنما يتمثل في الفصل الذي يقره النظام الداخلي والذي يخول لرئيس الحكومة كما لوزير الداخلية إعطاء التعليمات موضحا انه من غير المعقول بناء امن جمهوري ومحايد بينما هذا الفصل لا يزال قائم الذات. وكشف خليفة من جانب آخر انه طالب باسم الاتحاد وزير الداخلية بفتح تحقيق حول هذه الأحداث وطالب أعوان الأمن بان يعملوا وفق القوانين واحترام المواثيق الدولية. يجب اثبات الاختراق من جهته أوضح الخبير الأمني نورالدين النيفر في تصريح ل "الصباح" أن الاختراق مفهومه خطير جدا ويدل على أن الأجهزة لا تعمل وفقا للضوابط القانونية ولتقنيات حماية المواطنين وتبقى المسألة رهينة الإثبات. وفسر انه تم صباح امس تفريق جميع المتظاهرين في اعتصام باردو وهذا لا يفسر كونه اختراقا وإنما هو موقف سياسي واعطيت تعليمات للمؤسسة بتطبيقه خاصة أن قرارا بهذه الخطورة لا يمكن ان يتخذه مسؤول امني. واضاف النيفر ان الاختراق يفسر أيضا بان هنالك مسؤولين يحتلون مواقع ادارية وهم خاضعون فيما يصدرون من قرارات إلى أحزابهم أو إلى قوى أجنبية. ولا يمكن التثبت من ذلك وإنما من المؤكد أن هنالك ارتباكا حقيقيا في المواقف: فوزير الداخلية وعد المعتصمين بأنه سيتم التعامل معهم باحترام وبعد وقت قصير وفي الساعة السابعة من صباح أمس يقع تفريقهم.. قصور أمني ومن جهة أخرى قال الخبير الأمني والنفسي وكاتب عام معهد الدراسات الإستراتيجية للأمن والأزمات يسري الدالي في تصريح ل "الصباح":" تصريحات بن جدو تعتبر للأسف مهزلة لاسيما قوله بان الشهيد البراهمي قتل بنفس السلاح الذي استعمل في قتل الشهيد شكري بلعيد". مبينا أن ما حدث على مستوى الندوة الصحفية يعتبر بالأمر المحبط. وأضاف الدالي أنه لم تأخذ الاحتياطات الأمنية اللازمة ساعة حدوث الاغتيال السياسي فالجرائم السياسية هي جرائم تتجند فيها كافة الوحدات الأمنية والاحتياطات الأمنية لا بد أن تكون حازمة وجازمة مؤكدا وجود تقصير أمني واضح لاسيما أن سلطة الإشراف أفرغت من إطاراتها. وبين انه كأمني يتساءل:" أين مخططات الحصن والحصين التي تؤشر لغلق كل المنافذ المؤدية إلى مسرح الجريمة الذي أهمل بشكل كبير ولم يتم التحفظ عليه" على حد قوله. وقال الدالي في هذا الشان :"لا استطيع القول بان هنالك أمنا موازيا ولكن عديدة هي التساؤلات التي تطرح: أين هو العمل الاستعلاماتي؟ ولماذا لم يتم القبض على بوبكر الحكيم لا سيما انه محل تتبع؟" داعيا في السياق ذاته الأمنيين إلى العمل بحيادية تامة مع الالتزام بالحرفية. مدبر الاغتيال أكاديمي؟ من جانب آخر ذكر الدالي أن اختيار شخصية محمد البراهمي هو اختيار فيه عديد الدلالات وفيه رمزية تقنية وسوسيولوجية كبيرة جدا فالاختيار ليس نابعا من المجموعة الإرهابية استنادا إلى أنهم منفذون لا غير موضحا أن المدبر هو أكاديمي ومتغلغل في سوسيولوجيا المجتمع التونسي وهو ما يتجلى في اختيار شخصية الشهيد البراهمي: أصيل ولاية سيدي بوزيد وينتمي للتيار القومي العربي وهي معطيات بنى عليها المدبر عملية الاغتيال.