يصرّ البعض على وصفها بأنها امرأة منضبطة ومتعلمة لشعب منضبط ومتعلم وهي التي جمعت بين العلم والكفاءة السياسية، فيما يذهب آخرون الى أنه لو كان بإمكان الأوروبيين المشاركة في الانتخابات لكانوا صوّتوا لها . ربّما كان لأخطاء منافسيها وضعف أدائهم لدى الرأي العام وفشل حساباتهم دور في إعادة انتخابها ولكن الأرجح أن صرامتها وقوة شخصيتها وما تحقق لألمانيا خلال أسوإ أزمة لمنطقة اليورو دوره في فوزها للمرة الثالثة على التوالي في الانتخابات التشريعية الألمانية لتحتفظ في ذات الوقت بلقب المستشارة ولقب أقوى امرأة في العالم انها المستشارة أنجيلا ميركل أول امرأة يتحقق لها هذا الفوز بعد اديناور وهلموت كول الاب الروحي والأستاذ الذي كان وراء اقتحامها عالم السياسة فلم تتردّد في انتقاده والمطالبة باستقالته عندما تجاوز سلطاته لجمع أموال غير مشروعة... فوز مهمّ للمرأة الحديدية بعد حصولها على أكثر من 42 بالمائة من أصوات الناخبين بارتفاع تجاوز التسع نقاط عن انتخابات 2009 والتي كان لنجاح سياستها في تقليص البطالة الى 6,8 بالمائة دورها في كسب ثقة الناخبين طبعا لم يكن فوز المستشارة الألمانية بالأمر المفاجئ، بل كان متوقعا بالنسبة لكل من تابع سير الانتخابات في رابع قوة اقتصادية في العالم، لكن يبقى انتظار تشكيل التحالف الجديد الذي ستتجه اليه ميركل زعيمة حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي التي يلقبها الالمان "بماما ميركل" بعد فشل شريكها الكلاسيكي الحزب الاشتراكي الديموقراطي في انتخابات الاحد الامر الذي سيدفعها للبحث عن شريك أو شركاء جدد.. يجمع أغلب الملاحظين على أن سرّ نجاح حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي يكمن في ارتباطه بأقوى امرأة في العالم والتي، برغم افتقارها للأناقة، فان صورها وليس شعار الحزب هي التي طغت خلال الحملة الانتخابية، ولعل في ذلك ما دفع للاهتمام بشخصية المرأة التي طالما أحرجت قادة أوروبا والتي استطاعت النجاح حيث فشل أغلب نظرائها في أوروبا ممّن عصفت بهم الازمة الأوروبية وأبعدتهم عن السلطة أنجيلا ميركل التي احتفظت باسم زوجها الأول امرأة صعبة المراس كتومة وهي سياسية نادرا ما تكشف عن خياراتها وتوجهاتها وقناعاتها، بل وعلى عكس المتنافسين الآخرين في السباق الانتخابي لم تكن ترغب في اجراء مقابلات خاصة، وكل ما كانت تردّده للألمان "انكم تعرفونني"، والألمان فعلا يعرفون أنها تعيش حياة متواضعة في شقتها بعيدا عن الترف وغالبا ما يرونها تتبضع كأي مواطن رفقة زوجها العالم الذي اختار البقاء بعيدا عن الأضواء في سن التاسعة والخمسين تعود اذن ميركل - ابنة القس التي نشأت وترعرعت في ألمانيا الشرقية - بقوة لتتربع على المشهد السياسي الأوروبي على مدى السنوات الأربع القادمة وتواصل قيادة ألمانيا لتجاوز أزمة اليورو وتبعاتها في عدد من الدول الأوروبية المهدّدة بالإفلاس ميركل أول زعيمة أوروبية يعاد انتخابها منذ الازمة المالية والاقتصادية التي تعصف بالاتحاد الأوروبي والتي أطاحت بنظرائها في اسبانيا وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا ومنذ الحرب العالمية الثانية لم يفز بالمنصب لثلاث ولايات غير المستشار أدناور وهلموت كول الذي خلفته ميركل في منصبه سيرة هذه المرأة على مدى ولايتين في قيادة ألمانيا لا تزال تحظى بالاهتمام وهي التي جعلت الحذر والبراغماتية شيمتها، ومن هنا كان حرصها على التوافق بعيدا عن النرجسية والمكابرة أو ما يمكن أن يغضب مواطنيها... أدركت كيف تتجنب غضب الالمان فأحسنت الإصغاء والاستماع لخصومها ولكل من اختلف معها في الرأي دون استنقاص من شأنه أو تعال على الآخرين ونجحت في إبقاء بلدها بمنأى عن التطرف الزاحف على أوروبا، ولذلك تلقب ب"ملكة الوسطية"، ومن هنا التفاؤل السائد لدى الالمان بأنها ستسعى للبحث عن تحالفات تخدم البلاد برزت ميركل في ألمانيا بعد سقوط جدار برلين وتوحّد الألمانيتين والذي رافقه - وللأسف - قيام أكثر من جدار جديد قسمت وشتتت وأرهقت أبناء البلد الواحد في صراعات وخلافات وفتن وحروب مدمّرة... ميركل السياسية كما ميركل المواطنة قصة نجاح ونموذج للألماني المنضبط المتفاني الذي ساعد على إعادة بناء ألمانيا وإخراجها بعد الحرب العالمية الثانية من الإفلاس والانهيار، وإذا أعاد اليوم الناخب الألماني التصويت لها فلأنها كسبت ثقته فباتت تسمى ب"أم الألمان" وذلك هو سرّ الشرعية التي تتمتع بها وهي شرعية ليست حتما أبدية ولن تمنح المرأة الحديدية في ألمانيا حصانة من انتقادات خصومها أو انتقادات الإعلاميين التي صوّرتها في صورة هتلر، ولن تمنع أيضا مساءلتها ومحاسبتها على وعودها الانتخابية، وربما اسقاطها في انتخابات مبكّرة اذا استوجب الامر ذلك... هذا سرّ ثان وراء نجاح الديموقراطية التي يتعيّن علينا اليوم الاعتراف بأن الساحة السياسية في بلادنا تفتقر لها وأن النخب السياسية، بمن في ذلك من هم في السلطة بالدرجة الأولى، والمعارضة بدرجة ثانية، في حاجة للاستفادة منها والارتقاء اليها حتى تكون لنا قيادات في حجم ميركل التي ستبقى امرأة بألف رجل عندما يتعلق الأمر بالقرارات الصعبة والخيارات المصيرية التي يتعيّن معها إنكار الذات والأحزاب وتغليب المصلحة الوطنية... دعوة صريحة الى المتناحرين على السلطة والبلاد توشك أن تقع في الهاوية: تواضعوا ولا تتحرّجوا من الاستفادة من تعامل ميركل مع بقية الأحزاب المعارضة في ألمانيا، توقفوا عند إنجازاتها وما حققته لبلادها خلال ولايتيها وستدركون إن شئتم أن المكابرة والنرجسية والإصرار على الهروب الى الامام وعلى اصلاح الخطإ بالخطإ لا يقودان الى التقدّم أو النجاح...