تبعا لما يشهده الواقع العربي الإسلامي اليوم من جدال حاد للجماعات الإسلامية حول إشكاليات المذهبية الدينية واختيار المنهج الأمثل لتطبيقها وتوظيفها في إصلاح أوضاع الأمة، وتبعا كذلك لتنافسها حول الدعوة لتطبيق الشريعة، ولتفاقم الخلاف بينها إلى حّد التبديع والتكفير. ونظرا لتحول الجدل والخلاف إلى صراع حقيقي بينها وبين التيارات الفكرية والمذهبية الحداثية المعاصرة التي تؤكد على إصلاح المجتمع والدولة بمعزل عن الدين، في إطار حداثي علماني. ينظم مركز الدراسات الإسلامية بالقيروان- وهو من المؤسسات التابعة لجامعة الزيتونة ويرأسه الدكتور محمد الحبيب العلاني- ندوة علمية دولية عنوانها: المد المذهبي المعاصر جدل الديني والإيديولوجي وذلك أيام 29و30 و31 من هذا الشهر. وتتم خلال هذه الندوة الدولية مناقشة قضايا مثل حقيقة الصراع بين التيارات المتواجدة على الساحة العربية الإسلامية وتحديد أسبابه وخطر الصراع المذهبي والإيديولوجي على واقع الأمة ومستقبلها وتجليات الصراع في الماضي وعلاقته وامتداده في الواقع المعاصر وهل ان المذهبية اليوم- في بعض جوانبها إعادة للقديم؟ وسيتطرق بعض المتدخلين من بين دكاترة وأساتذة الجامعة التونسية والباحثين الذين سيشاركون في هذه الندوة أيضا إلى سؤال إمكانية التعايش بين الفرقاء المختلفين والى كيفية تشكل الفروق الجذرية بين الجماعات السنية في مجتمعاتنا الإسلامية الراهنة وعلاقتها بالموروث العقدي والشرعي والفكري التراثي على اختلاف مذاهبه مقومات التفكير السلفي الراهن والفروق والاختلافات الجوهرية بين فرقه وجماعاته وأثره على واقع الأمة ومستقبلها وهل ان الفهم الوسطي للعقيدة والشريعة، يمثل تخاذلا عن فهم الإسلام فهما صحيحا؟ و سيتم كذلك التطرق إلى الخلفيات الفكرية والإيديولوجية للنقد الحداثي للمشروع الإسلامي بمختلف فرقه وجماعاته السلفية والوسطية. والى معالم المشروع الإسلامي الحضاري الراهن ومراعاة الحكمة والتوازن في نقد وتعديل البدائل والمشروعات المطروحة لإصلاح المجتمعات الإسلامية وتجديد دورها الحضاري والإنساني في الواقع القطري والإقليمي المعاصر... هذه الندوة وهي الثالثة إذ سبق لمركز الدراسات الإسلامية بالقيروان ان نظم ندوتين من المنتظر أن يفتتحها وزير التعليم العالي د.المنصف بن سالم والدكتور عبد الجليل سالم رئيس جامعة الزيتونة ويحضرها خبراء ومختصون في القضايا المطروحة من المغرب د.رشيد كهوس ود.محمد الريوش ومن مصر د. مصطفى الزهراني ود.سليمان الغصن من السعودية ومن الجزائر د. عبد الله مقلاتي ود.عبد الرحمان بن عطالله ود. قواري مختار ود.بالختير بومدين. ويذكر انه وحسب الورقة العلمية والمنسق د.عزوز الشوالي ان أبرز هذه التيارات والجماعات والمذاهب هي: -الجماعات السلفية على اختلاف توجهاتها: كل جماعة منها تزعم أنها الوريث الشرعي للمذهب السني وتدّعي أنها تؤصل اجتهادها ومشروعها الإحيائي. - جماعات المنهج الوسطي: ويعتقدون أنهم الممثلون الحقيقيون لأهل السنة في العصر الراهن، وينسبون لانفسهم منهاج النبوة الذي يقوم على التسامح والاعتدال، ويهتدي بروح العقيدة ومقاصد الشريعة في قراءة تأخذ بثوابت الدين وتتمثل تغيّر الأحوال وتجدد الواقع، ويتهمون مخالفيهم من السلفيين بالتشدد والتعصب وضعف الرأي وإساءة فهم الإسلام ومنهجه السني الأصيل. وينقدون بتفاوت الحداثيين ويعتبرونهم بمعزل عن المنهج الإسلامي ثقافة وحضارة. جماعات الحداثة: وينتقدون المشروع الإسلامي المتطرف والمعتدل على حّد السواء، و"يزعم" الحداثيون أن مذهب السنة ومنهج أهله في فهم الدين وتطبيقه في المستويين التقليدي والمقاصدي هو العامل الحقيقي الذي تسبب في تحجر الخطاب الديني وتكلس العقل الإسلامي وتخلف مستواه عن متطلبات العصر وتقدمه العلمي والذهني والتكنولوجي ويرون أن الفهم الصميمي للخطاب الديني والحضاري هو الذي ينطلق من الاجتهاد إلى نقد العقل الإسلامي والخطاب الشرعي نحو حداثة متحررة من الثوابت القديمة بما في ذلك الهوية والإحكام الشرعية وحتى موروث الأمة الفكري والحضاري استجابة للتقدم المادي الإنساني العام. كل هذه الانقسامات الفكرية والإيديولوجية - ودائما حسب ما ورد في الورقة العلمية للندوة- تعكس درجة التفاعل وعمق الصراع في خضم الحراك الفكري الراهن، وتؤشر إلى قابلية الوضع للتأثر الجذري والسريع بتناقضات الحال وإشكالياته نتيجة الهزات الكبيرة التي أحدثتها "الثورات" الراهنة في الشعوب والمجتمعات العربية الإسلامية، وقد ينتهي الأمر إلى فوضى عارمة أو إلى الخضوع الجمعي لمن تكون له الغلبة لفرض معتقداته وأفكاره، أو أن يتغلب منطق العقل والمصلحة فيتحقق التعايش السلمي بين جميع الفرقاء في إطار احترام الرأي المخالف والقرار بمبدأي الحرية والمسؤولية. وفي هذا الإطار بالذات وتفاعلا مع هذا الواقع وتحسبا للخطر المحدق بالأمة ولإتاحة الفرصة للحوار في هذه القضايا والإشكاليات قصد إنارة العقول وترشيد الإفهام والمساهمة في رسم المشروع الحضاري المحكم والمتوازن لهذه المرحلة تنتظم ندوة:"المد المذهبي المعاصر جدل الديني والإيديولوجي".